الحدث – القاهرة – بقلم /
الكاتب والباحث السياسي: أحمد شيخو
ونحن نرصد أداء و تفاعل سلطات وأجهزة دول المنطقة أو الشرق الأوسط مع الأزمات البنيوية والقضايا العالقة أو الظاهرة حديثاًومحاولة معالجة أثار تداعيات الأزمات العالمية، نجد أن الحلول المقترحة أو التي عملت و تعمل عليها غير مجدية وبل فاشلة بدرجة كبيرة و يمكن القول أنها تعقد الأزمات أكثر وتعمق القضايا وتولد المزيد منها، وذلك بسبب ذهنية الدولة القوموية المركزيةوعقليتها السلطوية الدولتية الأحادية وكذلك سلوكها ونهجهاالاحتكاري في كثير من مجالات الحياة ومنها الاحتكار السياسي والاقتصادي المشكلان لعصب الحياة للدولة والمجتمع معاً، ولاشك أنه وبدون تحقيق التحول الديمقراطي فيهما لا يمكن البدء بمسار وسياق الحل الحقيقيوالنهائي وكذلك معالجة أثار تداعيات الأزمات العالمية على المنطقة ومجتمعاتها وشعوبها ودولها.
يتفاعل أي مجتمع أو شعب أو أية إدارة أو مؤسسة أو حتى أي دولة في المقام الأول سياسياً للبحث عن حل المشاكل والقضايا والأزمات مهما صغرت أو كبرت، فمراحل الاجتماع والنقاش والتداول والوصول إلى تشخيص الحالة الموجودة أو الظاهرة وكذلك التوافق على أفضل الآراء و المقترحات لبناء الحل وبذلك امتلاك رؤية وطنيةصحيحة للحل المستدام من قبل القوى الحقيقية المؤثرة في المجتمع أو الدولة، هي التي نسميها بالسياسة ولكن هذه السياسة ستكون مفيدة و ناجحة إذا كانت:
وهنا لابد من تجاوز الثقافةالسياسية والاجتماعية المضللة التي تم تسويقها و زرعها في عقول الناس وكذلك لدى التيارات الثقافية والسياسية بأن الدولة والسلطات أو الأحزاب السياسيةوالمؤسسات الرسمية هي فقط من تختص وتعمل بالسياسةوالدبلوماسية، و أن السياسية حكراً على طبقة أو فئة أوجهة معينة وبذلك تم احتكار السياسة و إبعاد المجتمع عن إحدى أدواته الأساسية القوية والضرورية الهامة لحل القضايا والمشاكل، ولذلك لابد من بناء وعي سياسي مجتمعيجديد وإرادة سياسية حقيقة وبناء مؤسسات وطنية سياسية حتىيمارس كل المجتمع السياسية وفق العمل ونوعيه الاسهام الذي يقوم به كل فرد في خدمة وبناء المجتمع ووفق مفهوم السياسة الديمقراطية التي تعتمد على القوى المجتمعية الديمقراطية والتي تتيح لكل فرد في المجتمع من إبداء رأيه والمشاركة في النقاش والقراروإيجاد الحل الديمقراطي، وبذلك تكون قوة المجتمعية الحقيقية حاضرة وبكل زخمها وتأثيرها في حالة تكامل وتوازن واجتماع بين كافة أبناء المجتمع وتكويناته المختلفة.
أما الحالة الاقتصادية المتدهورة في غالبية دول المنطقة حالياً فهي نتيجة تراكم طويل وهي تعبير ومرآة لفشل الدول القوموية المركزية و لغالبية السياسات الاقتصادية التي تركزت وتمحورت على الاحتكار وفق مصالح الهيمنة العالمية والنظام الرأسمالي العالمي و أدواتهم من السلطات القوموية التي فرضها والتي تتحكم في دول المنطقة التي تم اصطناعهم أصلاً وبالحدود والمساحات والنظمالقوموية المركزية ليكونوا في خدمة القوى المركزية في نظام الهيمنة العالمية واستراتيجياتهم حول العالم وفي الشرق الأوسط.
وهنا تم الاستمرار في إبعاد فاعلين أساسيين في الحل الاقتصادي وهما المجتمع والمرأة وإعطاء الأولوية في البرامج والسياسات الاقتصادية لمصالح السلطات ووجودهم في الحكم، علاوة على حالات الفساد والنهب الممنهج التي أصبحت سمة ومميزة حتمية لغالبية السلطات القوموية في دولها المركزية وإن حاولت اخفاء نفسها وحقيقتها ونهبهاتحت عباءة الدين والقوميةوالمقدسات والميزانيات الوهمية تحت حجة بعض المصطلحات البراقة كالأمن القومي و حروب البقاء الكاذبة وغيرها كما تفعلها السلطات والدولة القوموية التركيةالمركزية وغالبية سلطات المنطقة وأجهزة الدول والأحزاب الحاكمة.
ولو بحثنا في كيفية التعامل مع الملفات الاقتصادية الحياتية والموارد الاستراتيجية لمجتمعات وشعوب المنطقة وضمن الدول القوموية المركزية نجد أن القرار الاستراتيجي في التعامل والتصرف حولها لا يملكه المجتمع والشعب رغم وجود العديد من الهياكل والمؤسسات الشكلية كالبرلمانات والهيئات المختلفة ومسرحيات الديمقراطيات التمثيلية التي ليس لها علاقة بالشعبوالمجتمع ومصالحه ومعاناته وأولوياته الضرورية الحياتية،ويذهب القسم الكبير من عائدات هذه الموارد الوطنية إلى بنوك معينة ومجالات تحدد وفق السياسية العالمية لنظام الهيمنة العالمية واحتياجاتها ولا تدخل حتى في ميزانيات الحكومات في دول الشرق الأوسط والأرقام التي تخص هذه الموارد تكون عادة حكراًعلى بطانة و فئة قليلة جداً.
ولا شك أنه عندما يكون النشاط الاقتصاد هدفه الربح فقط دون امتلاك ذهنية ومقاربة ديمقراطية وإيكولوجية تحترم الطبيعة والإنسانوعندما يكون غايته ليس تأمين احتياجات المجتمع وتحقيق استقراره وأمنه ورفاهية أبنائه. فسنجد الحال كما هو الآن، بأن الفشل والفساد والنهب وتخريب الطبيعة ومشكلات المناخ والتلوث والتداعيات الاجتماعية الظاهرة هي نتائج وممارسات معتادة من السلطات والمتنفذين وبدون أي احترام ومراعاة للإنسان وللبيئة التي أصبحت عليها تهديد حقيقي الآن نتيجة سلوكيات الإنسان وجشعه وطمعه وابتعاده عن الإحساس بالطبيعة والتفاعل الإيجابي معها.
ويمكننا القول أن الاحتكار نهج و مقاربة وفعل سلطوي ورأسمالي نهبي تجسَد وتبَلور في صيغ وأشكال مختلفة وشمل مجالات الثقافة والفكر والعبادة والأمن واستفاد واستغل أصحابه ورجالاتهمن الديانات والمقدسات و أجهزةالدولة ليعطوا شرعية للاحتكار وليكون للاحتكار حاضنته وبيئتها المناسبة وهي الدولة القوموية المركزية التي تجسد أقصى درجات الاحتكار والأحادية المطلقة وأخذ غالبية قوى وحقوق المجتمع ونقاط قوته وارتكازه تحت اسم وشرعية القوانين والدساتير التي سنتها السلطات والدول القوموية مدعومة بالنظام العالمي الراعي لها.
وعليه، لا يمكن التخلص من الأزمات والمشاكل في دول المنطقةو بناء سياقات للحلول الناجحة والديمقراطية الحقيقية في كافة المجالات مع استمرار حالة الاحتكار في الساحتين والحقلينالسياسي والاقتصادي من قبل أنظمة الدول القوموية المركزية على الأقل وكذلك من قبل نظام الهيمنة العالمية، وعليه سيبقى كافة الحلول التي تقترحها هذه القوى السلطويةالمحلية و الاقليمية والدولية هي لأجل ترقيع الحالة المزرية والمتأزمة وتأجيلها وإدارتها وفقاً لمصالحها ووجودها في الحكم وليس إيجاد حلول نهائية وشاملة وبالتالي استمرار معاناة المجتمعاتوالشعوب والأفراد. والحل الحقيقيبقناعتنا هو الحل الديمقراطي والبدء بمسار تحقيق التحول الديمقراطي في كافة جوانب الحياة في دول الشرق الأوسط القوموية والمركزية وفي صدارتها التحول الديمقراطي السياسي والتحول الديمقراطي الاقتصاديوتجاوز المركزية السياسية والاقتصادية إلى اللامركزية الديمقراطية وفتح المجال أمام المجتمعات والشعوب المختلفة لتكون حاضرة بكل قوتها وتأثيرها في المشهد السياسي والاقتصادي في بلدان المنطقة فهذا من حقها أولاًوواجبها ولأن الآليات الديمقراطية مع توفر الوعي وثقافة التكاملالديمقراطية مع احترام الخصوصيات و الاعتراف بحالة التعدد والتنوع الثقافي والاثني والديني الموجود ضمن الدساتير والمجالس والمؤسسات المجتمعية الديمقراطية وتجاوز أحادية الدولة القوموية كذهنية وعقلية سلطويةوسلوك في الشرق الأوسط هي السبيل والطريق الصحيح لتفعيل كافة القوى الذاتية والقادرة للتصدي لكافة التحديات والمشاكل والقضايا العالقة والظاهرة على الساحة.