الأحد 24 نوفمبر 2024
القاهرة °C

العقول الصغيرة في زمن الفوضى

الحدث – القاهرة – بقلم / منى زيدو

دائما ما كانت العقول الصغيرة والتي تثق بنفسها لدرجة كبيرة في أنها دائماً تمتلك كامل الحقيقة وتقوم بترويج ذاتها ونفسها بحجة أن الآخر لا زال يعيش مرحلة الطفولة العقلية وما عليه إلا أن كون تلميذاً عنده. شخصيات مصابة بعقدة النقص من كافة النواحي ولا ترى في نفسها إلا المبشر الذي يمتلك الحلول لكل المشاكل والمصائب التي يعاني منها بكل تأكيد الطرف الآخر. شخصيات مريضة نفسياً وفكرياً وليس لها أية علاقة بالواقع الذي تعيشه وحتى أنها ترى أن هذا الواقع أيضاً يعاني الكثير من الأزمات لأن الكل لا يطبق ولا ينفذ ما تقوله هذه الشخصيات المغرورة أو التي يمكن وسمها بشخصيات العقول الصغيرة.

هذه الشخصيات امتلأت بها مجتمعاتنا لدرجة أننا أصبحنا نعاني شدة زحامهم في كل مكان، إن كان في المنزل أو الشارع أو المؤسسة التي نعمل فيها أو حتى أماكن الاستراحة التي نأوي إليها بعد يوم مضني من العمل واقصد المقاهي والكافيهات، التي تعتبر فسحة للترويح عن ضغوط الحياة ولو لفترة قصيرة. تواجه هذه الشخصيات في كل مكان ولا يمكن أن تتجنبهم كثيراً بحكم باتوا متواجدين في كل مكان لم يخطر على بال أي انسان. المهم أننا سنواجههم وهذا بحد ذاته يضيف للإنسان قلقاً كبيراً تجعلك تحسب لهم ألف حساب في كيفية التعامل معهم حينما يبادروننا السلام ويعزمون أنفسهم للجلوس معنا. لا توجد عند شخصيات العقول الصغيرة أي درجة من الخصوصية التي ينبغي احترامها عند الآخر، بل يقحمون أنفسهم في كل كبيرة وصغيرة وشاردة وواردة وإن كنت لم تقلها بالأساس، لأنهم يقرأونها على سمات وجوهنا لذكائهم المفرط.

بيت القصيد من هذه المقدمة المقتضبة هي أننا نحن النساء كيف لنا تجنب هذه العقول الصغيرة في حياة عمَّت فيها الفوضى كل شيء ولم نعد نجد أية فسحة لنا نعبر فيها عن خصوصيتنا ولو بالقدر البسيط المتاح لنا. وهذه الشخصيات من العقول الصغيرة ليس بالضرورة أن يكون زميلاً/ةً أو صديقاً/ةً أو رب/ة عمل، بل ربما يكون شقيقاً/ةً أو زوجاً يسعون لفرض آرائهم علينا بكل السبل المتاحة لهم، بغية السيطرة على المرأة وفق ظنهم على أساس أن الزوجة والمرأة تعتبر ملكية خاصة بالنسبة لهم.

المرأة والزوجة مراقبة من قبل الأب والأخ في نهاية المطاف من الزوج على مدار الساعة وعلى كافة تحركاتها وتصرفاتها حتى الدقيقة منها. لذا، محاولة المرأة أن ترضي الكل يعتبر أو مواجهة لها كي تثبت لهؤلاء جميعاً أنها إما أن تكون مطيعة وهي عند حسن ظنالكل بسلوكها أو شخصيتها أو أن تكون متمردة على هذه التقربات الصادرة منهم، وحينها سيكون لها حساب آخر. هنا لا يهم من هو الرجل المراقب فمعظمهم يحمل المنطق ذاته إن كان أخاً أو زوجاً، لأن التربية هي واحدة لا تختلف فإنه يرى ذاته الحاكم المطلق على المرأة لكل جزء من جسدها وماهيتها وكينونتها.

الرجل حينما ينظر للمرأة على أنها جسد فقط وأنها تعتبر مُلكيته الخاصة، هنا يتحول الزواج وبدورها مؤسسة العائلة إلى علاقة ما بين السيد والعبد. لكن حينما تكون العلاقة بينهما علاقة ندية وتشاركية مبنية على الاحترام يمكننا وقتها أن نقول أن هذا الزواج ناجح وأن مؤسسة العائلة هذه ستكون أرضية خصبة لبناء مستقبل جميل لأطفالهم. إذاً، هي علاقة متوقفة على منطق تقرب كِلا الطرفين من بناء مؤسسة العائلة التي تعتبر الخلية الصغرى في بناء المجتمع. ومنه نستشف وضعية المجتمع هل هو متماسك وبنَّاء أم أننا نعيش مجتمعاً هشاً يسوده النفاق ما بين الكل النسبي طبعاً.

العقول الصغيرة لا يمكنها أن تبني عائلة كبيرة وعظيمة بسبب انشغالها بتفاهة الأمور والأحداث وطرفي الصراع والتنافس في العائلة يتحينون الفرصة لاتهام الآخر بالتقصير، بينما العائلة العظيمة والكبيرة تحتاج إلى شخصيات من نوع العقول الكبيرة التي تتفهم الطرف الآخر وتحاول دعمه ومساندته كي يكبر معها. ومن أجل التوصل لهذا المستوى من العلاقة الجيدة ينبغي الابتعاد عن أولئك الذين يحاولون التقليل من طموحات وآمال الانسان. العقول الصغيرة دائماً ما ستقوم القضاء على هذا الطموح وتقلل من شخصية الطرف الآخر في حرب نفسية للسيطرة على المرأة، بينما الشخصيات ذات العقول الكبيرة والجميلة ستعمل كل ما في وسعها كي تمنحنا شعوراً وإحساساً أنه بمقدورنا أن نكون أفضل وأجمل وأقوى. معادلة تكاملية ما بين طرفين ومن خلالها يمكن للحياة أن تكون جميلة وسلسلة أو أن تكون جحيماً على الطرفين.

فرفقاً بنا في زمن الفوضى الذي أثقل على كاهلنا بفوضويته التي تضرب كل مناحي الحياة والتي جعلتنا لا ندرك ما يدور من حولنا من أحداث متسارعة ومتضاربة. فلنكن هادئين ونفكر بعقلانية بعيداً عن الأنانية والفرداينة وتأثيرات الفوضى علينا والتي جعلت دولاً تعلن عجزها الاقتصادي والمالي، فما بالنا بعائلة صغيرة لا تمتلك الكثير من عناصر أدوات مجابهة جائحة الفوضى.

to top