أحمد شيخو يكتب: تمتين العلاقة الكردية – العربية وتبديد المخاوف
312
4 سنوات مضت
أحمد شيخو
تظهر من جديد على الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية أهمية علاقات شعوب المنطقة ببعضها البعض نتيجة التحديات والمخاطر والتدخلات الإقليمية والعالمية في شؤون منطقتنا ، ونظرًا للتدخلات التركية الأخيرة وغيرها ولمعرفة وتيقن غالبية الشعبين العربي والكردي أنه لا يمكن الاعتماد على القوى الخارجية والدولية لوقف التدخلات التركية في المنطقة، نتيجة كون تركيا الجغرافية والسلطة عنصران لهم دور وظيفي في ظل نظام الهيمنة العالمية وتدخلها، يتناسب وربما يتوافق مع التدخلين الإيراني والإسرائيلي وعيهم للهيمنة والتحكم بالمنطقة وشعوبها.
من المهم تبيان أن هذه المخاطر والتحديات جعلت شعوب المنطقة تدرك أهمية البحث عن عن فهم المشروع التركي عن ملامحه وأدواته وسبل مواجهته، لكن من الأهمية الإشارة إلى أن ما أوجده وصدره لنا القوى المركزية في النظام العالمي من مفاهيم وفكر إستشراقي في بدايات القرن التاسع عشر لتقسيم المنطقة وللتحكم بها مازالت تعيش ومنها :
1_ الفكر القوموي المطلق والأحادي: ذلك الفكر الذي هو أحد أسباب بقائنا حتى الأن مقسمين ومعرضين للتدخلات الإقليمية والخارجية، حتى أصبحنا ننفذ التقسيم ونضعف بعضنا ونجزء قوة المنطقة ، هذا الفكر الذي يجعل كل قومية تتقوقع على نفسها وتحسب نفسها هي الأعلى وهي صاحبة الإنجازات التاريخية وتعلي من شأنها فقط وتحق لهل القيادة دون سواها وأن المنطقة الفلانية لهل صبغة قومية واحدة صرفة، مع العلم أن سنة الحياة والطبيعة هي التعدد والتنوع وأن التواجد الحالي بكل إيجابياته وسلبياته هي نتيجة تراكم تاريخي وإجتماعي متداخل شارك فيها كل أبناء المنطقة. ولعل قول الله سبحانه وتعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” . يؤكد حقيقة مهمة وضرورية على جميع شعوبنا وقوانا معرفتها وأخذها حيث أن تمتين جيهة المنطقة ضد التدخلات يقتضي الاعتراف بأن الفكر القوموي والإلغائي والإقصائي لتنوع المنطقة وتعدد شعوبها وأبنائها لن يجلب سوى الضعف التقسيم وضرب النسيج الاجتماعي وبالتالي فتح المجال أمام التدخلات . ولقد ظهرت بعض المدارس القومية سواءُ بين الشعب العربي أو الكردي التي كانت انعكاس للحالة الإلغائية والتضخم الورمي القوموي وتسببت في إحداث شروخ وشقوق يتسلل عبرها المتدخلون بشؤون المنطقة، مثل البعث وبعض القوى الكردية وغيرهم الذين يزيدون المخاوف المتبادلة التي نحن بحاجة لإزالتها وتجاوزها.
2_ الإسلام السلطوي أو السياسي : هذا التيار الذي أوجدته قوى الهيمنة العالمية لتمرير مصالحها عبرهم ولضرب تكاتف شعوب المنطقة ومجتمعاتها وكذالك لإضعاف قيم وثقافة مجتمعاتنا التشاركية ولإنهاء أي مسعى لإستمرار التحالفات التارخية أو تجديدها، وكذالك لإستخدام المقدسات والأديان لإيصال أداواتهم إلى السلطة ولمحاولة تشويه وإعطاء صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين للعالم. وهنا يجدر الإشارة إلى التنظيم الإرهابي “أخوان المسلمين” الذين يشكلون الأن إحدى أدواة تركيا الرئيسية في التدخل وإحتلال المنطقة.
بعض التدخل التركي في ليبيا التي تبعد عن تركيا كل هذه المسافات والأميال، وجلبها للمرتزقة والإرهابين وتهدديها مباشرة للأمن القومي العربي لأكبر دولة عربية فيها مقر الجامعة العربية، ربما أتضح للكثيربن من الأخوة العرب خطورة التدخل التركي بشكل لايقبل الشك أن تركيا تريد إحتلال الأراضي الأراضي التي كانت تستعمرها الأمبرطورية العثمانية البائدة وأكثر من ذالك هي تريد تنفيذ سياساتها القائمة على التغير الديموغرافي وتغير التركيبة السكانية والتطهير العرقي حيث لايتوانى أردوغان عن القول إن سكان المنطقة الفلانية كانوا أتراك وأن الشعب الفلاني يلائمها المنطقة الفلانية وكل هذا بالإضافة إلى ما فعله أردوغان ومرتزقته في عفرين و سرى كانية/رأس العين و كرى سبى/ تل أبيض يعبر عن رغبته في تغير التركيبة السكانية كامتداد لسياسة تركية منذ قدوم الأتراك إلى المنطقة في القرن الثامن من أواسط أسيا.
ما يحاول أردوغان وسلطته تطبيقها الأن على المنطقة العربية، جرى و يجري تنفيذها على الشعب الكردي منذ عام 1921 و إتفاقيتي القاهرة وأنقرة ومنذ عام 1923 وإتفاقية لوزان التي قسمت أراضي تواجد الكرد التاريخية منذ 12 ق.م (كردستان) دون أي إعتبار لإرادة شعبنا ومراعاةً لمصالح قوى الهيمنة إلى أربعة أقسام بين تركيا وإيران والعراق وسوريا .
ومن الطبيعي أن يحاول الشعب الكردي رفض هذه السياسات التي حاولت النيل منه، وكانت دائمًا تلعب تركيا الدور الرئيسي في محاولة القضاء على الشعب الكردي وإنهاء وجودهم وتتريكهم وكذالك عدم الأعتراف بهم وبل السعي الجاد لمنع أية محاولة للكرد في الحصول على بعض من أدنى حقوقهم التي نصت عليها القرارات الدولية والشرائع السماوية .
وخاض الكرد صراعًا مع الدولة التركية الوظيفية بحكوماتها المختلفة مازال مستمرًا حتى الأن بكل حدة ولعل معركة حفتانين هي أحدثها التي تجسد مقاومة شعب يدافع عن وجوده وجغرافيته وجباله ضد دولة الأرهاب تركيا الإستعمارية.
ونتيجة لمرحلة النضال الطويلة لدى الشعب الكردي وتوزع وتواجد عدة قوى كردية تطرح مشاريع لحل القضية الكردية ضمن الدول الأربعة، من المهم لشعبنا العربي وكذالك لشعوب المنطقة فهم طبيعة وماهية القضية الكردية وكذالك رؤية القوى الكردية لحل القضية الكردية في سوريا والعراق وتركيا وإيران حتى تتبدد بعض المخاوف .
لعل منظومة المجتمع الكردستاني KCK كأكبر تنظيم سياسي واجتماعي للشعب الكردي في العالم ورؤيتها لحل القضية الكردية التي تستند إلى فكر وفلسفة المفكر والمناضل عبدالله أوجلان هي أكبر من تبدد هذه المخاوف وتقرب الشعوب لبعضها وتجعل شعوب المنطقة تعيش في جو من الإعتراف المتبادل و التعايش المشترك وأخوة الشعوب إستنادًا إلى حل القضية الكردية ضمن وعبر دمقرطة الدول التي تتواجد فيها الكرد بما يضمن الهوية الكردية ويحقق إدارة الشعب الكردي لنفسه بنفسه ضمن حدود الدول الموجودة وبذالك يتحقق الديمقراطية في الدول الأربعة ويكون الشعب الكردي عامل دمقرطة وإستقرار وسلام وتمتين الجبهة الداخلية لدول المنطقة وللمنطقة بشكل عام أمام التدخلات الإقليمية والدولية المزعزة للإستقرار. كما لايخفى أن هناك أطراف كردية تستند إلى ماهو غير مناسب و غيرمنطقي ورؤية تنم عن قصر نظر وربما تواطؤ مع قوى إقليمية مستمر حتى الأن لإضعاف القوى الأخرى المقاومة للمشروع التركي والتي تتبنى تكامل وتضامن شعوب المنطقة . لكن الغالبية العظمى من الشعب الكردي يرى حريته ومستقبله في رؤية الأمة الديمقراطية والإدارة الذاتية التي تجسدت بشكل واقعي في شمال وشرق سوريا كمشروع سوري وطني يضمن كل مكونات سوريا الأثنية والدينية ومختلف الهويات. ذالك المشروع الذي يقاوم الإحتلال التركي ويدافع عن وحدة سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها ويتبنى التكامل مع المحيط العربي والإقليمي والذي قضى على مشروع خلافة داعش المزعومة بالتعاون مع التحالف الدولي الذي يضمن أكثر من 70 دولة.
ما نلامسه من مواقف الدول العربية وكذالك من المجتمعات العربية يؤكد فهم بعضهم وربما أغلبهم لحقيقية الظلم الذي يعانيه الشعب الكردي من تركيا وكذالك من إيران وكذالك يؤكد فهمهم ومعرفتهم الكذب والتضليل والخداع الذي حاولت تركيا تمريرها للتستر على هذه الحقائق منذ أكثر من 70 عامًا وما يقوله النظام التركي عن حماية الأمن القومي التركي ما هي إلا حجة لفرض وقائع جديدة تمهد لاحتلال تركيا ومشروعها العثمانية الجديدة.
من الطبيعي والواقعي أن يكون هناك مخاوف متبادلة نتيجة التباعد الذي فرض ضمن سياسة فرق تسد الاستعمارية على شعوب المنطقة منذ أوئل القرن التاسع عشر ،ولكن يبقى السعي إلى تبديدها وإزالتها وتجاوزها من الأعمال الملحة والضرورية وكذالك السعي إلى بناء جسور الثقة والتفاهم وبناء علاقات متوازنة وضرورية الأن في كافة المجالات منها الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية وغيرها وكذالك النضال المشترك في وجه الفكر الشمولي والمطلق بشقيه القوموي والدينوي لتقوية مناعة المنطقة بشكل عام ومنها المنطقة العربية وتقويتها لوقف التدخلات الإقليمية والعالمية او على الأقل تقليل وإضعاف تلك التدخلات التي تتم على حساب أمان وسلامة المنطقة وأهلها ودورها على المستوى العالمي كمنطقة تجلت فيها أعظم الحضارات ومراحل الحياة البشرية مثل الفراعنة والسومريين والسريان الأشوريين والميدين والبابليين والهوريين والميتانيين والحضارة الإسلامية وغيرهم بالإضافة إلى الكثير من مراحل العمل المشترك التي نحن على قناعة أن أهرامات مصر وجبال أكري وجودي سيزدادون شموخا وعلوا في السماء كلما مشينا على خطى أميرتنا نقرتيتي وسيدنا إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام في التلاقي والوحدة والابتعاد عن الأصنام وعبادتها كما يروجها أردوغان ومن خلفه قوى الهيمنة العالمية التي تتدخل في المنطقة تحت مسميات وعناوين مختلفة .