الحدث – القاهرة
عندما تم تصفية الإمبراطورية العثمانية تم إنشاء نظام إقليمي لدوام الهيمنة والسيطرة على المنطقة وشعوبها من قبل القوى المركزية العالمية حينها إنكلترا وفرنسا وروسيا ثم أمريكا، وكانت من بين هذه الترتيبات والأليات والأدواة تشكيل تركيا بحدودها الحالية كنموذج بدئي للدولة القومية اليهودية وتمهيد لها، وتقسيم أراضي الكرد(كردستان) بين أربعة دول وتشكيل إيران بحدودها الحالية بعد إخراجها من الحالة الملكية، وتقسيم المنطقة العربية وشعوبها وإنشاء 22 دولة عربية بالتزامن مع إنشاء إسرائيل كقوةٍ مهيمنةٍ نواةٍ لهيمنةِ الحداثةِ الرأسمالية لنظام الهيمنة العالمية في المنطقة.
وكانت من بين أدواة الإبقاء على الوضع خلق بؤر للتوتر وصراعات طويلة وإبقائها بدول حلول ليكون مفيدة ومتممة ومحققة بالنتيجة لدوام الهيمنة والتحكم للنظام العالمي على المنطقة والعالم، وكان من بين هذه الصراعات الصراع الفلسطيني أو العربي_ الإسرائيلي. بالإضافة إلى تقسيم الكرد و إبقائهم بدون حقوق طبيعية كباقي الشعوب وإعطاء دور إبادتهم للدولة التركية النمطية المتجانسة المراد إنشائها لزوم الهيمنة العالمية على شعوب وثقافة المنطقة وقيمها المجتمعية الديمقراطية التاريخية.
يعتبر بناء الدول القومية العربية وإسرائيل في الوقت نفسه وبشكلٍ متزامن مع إنشاء تركيا الحالية أحد المصادر الأساسية لأزمة منطقتنا.
عندما أرادت إنكلتر تصفية الامبراطورية العثمانية وربط الهند بأوربا عملت على عدة محاور منها:
1_ استخدمت إنكلترا الشيوخ العرب في العديد من المناطق، عندما باشرت بالتمشيطات العسكرية على الإمبراطورية العثمانية بدءاً من مطلع القرن التاسع عشر.
2_ كما استخدمت رجال الدين الأرثوذكسيين ذوي الأصول الإغريقية في البلقان، وآزرت تشييد الدولة القومية اليونانية؛ مسرّعةً بذلك من انهيار الإمبراطورية في بلاد البلقان.
3_ وبدأت بنفس النشاط في شبه الجزيرة العربية المتواجدة جنوب الإمبراطورية، والمتسمة بموقعٍ استراتيجيٍّ على طريق الهند. إذ باشرت بدعم الدولتية القومية العربية، مستفيدةً من مساندة الشيوخ الذين يمثلون قمة الهرم لعلماء الدين المسلمين وكذلك القبلي والعائلي.
4_ وكانت لها في نفس الوقت محاولات مثيلة مع زعماء الطرائق الدينية (وعلى رأسهم النقشبنديين والقادريين) المنحدرين من مدينة السليمانية عن طريق كردستان أيضاً.
5_ أحكمت رقابتها طردياً على جنوب المملكة الإيرانية.
وهكذا، فإنّ المرحلة المبتدئة بالتمردات، قد استمرّت مع أنظمة الانتداب بعد الحرب العالمية الأولى، لتنتهي إلى التشييد التامّ للدول القومية مع الحرب العالمية الثانية. وتمّت تصفية الإمبراطورية العثمانية في تلك
الأثناء، ليتكوّن أو ليتمّ تكوين فراغٍ شاسعٍ في المنطقة حصيلة ذلك.
وبعكس ما فعلت في بلاد الهند، لم تستقرّ إنكلترا في المنطقة كقوةٍ استعماريةٍ مباشرة. لكنها في الوقت عينه لم تترك أية قوةٍ منافسة. فهدفت إلى تشييد الجمهورية التركية وهيكلتها بمعيّة أنظمة الانتداب العربية ضمن ذات الإطار وفي نفس التاريخ (1920). والسلوك الذي اتّبعه مصطفى كمال، قد صبّ النتيجة النهائية في مجرى الجمهورية المرادة إنشائها.
لقد تحولت الأنظمة العربية تحت الانتداب بعد فترةٍ قصيرةٍ إلى دولٍ قوميةٍ مشابهة. وإطلاق تسميات المملكة أو الجمهورية عليها لم يغيّر من جوهر الدولتية القومية الصغرى.
في هذه المرحلة يصادف تسريع ولادة إسرائيل أيضاً. مع العلم أنّ جذور إسرائيل ترتكز على القبائل وأيديولوجيتها (الأيديولوجية اليهودية والأديان التوحيدية والقومويات). أي إنّ إسرائيل في جوهرها نتيجة طبيعية لحروب الدولة القومية، التي أينعت في أعوام 1550 في هيئة دولةٍ حديثةٍ على خطّ أمستردام–لندن، واستمرّت قرابة أربعة قرون، محوّلةً أوروبا إلى حمّامات دم ودويلات قوموية متناحرة منهية بذلك الإمبراطوريات المعيقة لهيمنة إنكلترا على أوربا وثم العالم.
ولطالما لعبت الميول الفكرية اليهودية ورأس المال اليهوديّ دوراً ريادياً في تشييد الدولة القومية. حيث كانت القناعة السائدة هي أنّ اليهود لن يتمكنوا من نيل حريتهم أو من تأسيس دولةٍ إسرائيليةٍ يهوديةٍ على خلفية( المثل الصهيونية للقوموية اليهودية) المتصاعدة مع الوقت؛ إلا بتمزيق أوصال الإمبراطوريات الكاثوليكية والأرثوذكسية والإسلامية.
وقد أينعت هذه النشاطات العقائدية الواعية والمنظّمة عشية وأثناء وإبان الحرب العالمية الأولى. ففي الأوساط المتمخضة عن بناء الدولة القومية للجمهورية التركية الصغرى على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، إلى جانب بناء عددٍ جمٍّ من الدول القومية العربية الصغرى؛ قد أعلن عن الدولة القومية اليهودية إسرائيل رسمياً (1948)، والتي هدفت إليها الأيديولوجية الصهيونية المقدسة حسب قناعاتهم. وكانت الجمهورية التركية أول دولةٍ قوميةٍ تعترف بها، وكأنها بذلك تؤكد جوهرها من حيث كونها إسرائيل بدئية.
لقد ولدت إسرائيل كقوةٍ مهيمنةٍ نواةٍ لهيمنة الحداثة الرأسمالية(النظام العالمي المهيمن)، التي ملأت فراغ السلطة الناجم عن تحويل الإمبراطورية العثمانية والملكية الإيرانية إلى دولٍ قوميةٍ صغرى تابعة، بعدما كانتا آخر قوتين مهيمنتين في المنطقة. وتشييد إسرائيل كقوةٍ مهيمنةٍ نواةٍ أمر بالغ الأهمية ولها تداعيات كبيرة فيما بعد وحتى اليوم. فهذا ما مفاده أنه سيتمّ الاعتراف بشرعية الدول القومية الأخرى في المنطقة في حال اعترفت هي بوجود إسرائيل كقوةٍ مهيمنة. وأنه في حال عدم اعترافها بها، فسيجري تجييرها وإرهاقها بالحروب إلى أن تعترف بها. ونظراً لأنّ الجمهورية التركية وبعض الدول العربية و دول الخليج كانت أول من اعترف بإسرائيل، فقد اعترف بها دولاً قوميةً شرعية، وأدرجت بالنظام القائم بناءً على ذلك. في حين لا تنفكّ الحرب دائرةً بين إسرائيل وحلفائها من جهة، والدول الأخرى المتبقية من الجهة الثانية.
أما الحروب والاشتباكات مع العرب ضمن إطار القضية الفلسطينية، ومع البلدان الإسلامية الأخرى ضمن إطار إشكالية الخليج؛ فهي على علاقةٍ بالوجود المهيمن لإسرائيل داخل المنطقة. إذ سوف تظلّ هذه الاشتباكات والمؤامرات والاغتيالات والحروب متأججةً إلى حين الاعتراف بهيمنة وسيادة إسرائيل.
وعليه لن نستطيع فهم أسباب إنشاء اثنتين وعشرين دولةً قوميةً عربيةً بمنوالٍ صحيح، ما لم نفهم الهيكلة السياديّة لنظام الهيمنة العالمي داخل الشرق الأوسط بعينٍ صائبة، أي أنه محال تحليل الهيمنة العالمية، التي تمّ تأسيسها في الشرق الأوسط، بعينٍ سليمةٍ من منظور الشروح التاريخية، اليمينية منها واليسارية، أو الدينية والمذهبية، أو الأثنية والقوموية للنزعة الاستقلالية لدى البورجوازية الصغيرة ذات الطابع الدولتيّ القوميّ.
و عليه فإنّ إدراك القضية العربية كما هي في الواقع القائم مثلما الحال بشأن الإدراك السليم لقضايا الجمهورية التركية والجمهوريات والجماعات التركياتية الأخرى، يتطلب أولاً الفهم الصحيح لموضوع بناء وتأسيس هيمنة الحداثة الرأسمالية في الشرق الأوسط.
حيث لا يمكن فهم قضية أية دولةٍ أو مجتمعٍ بناءً على الذهنيات المعنية بالتاريخ والمجتمع، والتي تستهزئ بالحقائق وتؤكد على الإنشاء المستقل للدول القومية بمنوالٍ مجردٍ ومنفرد. بالتالي، ومثلما لا تتعلق القضية العربية بإسرائيل فقط، فإنه لا يمكن اختزالها إلى مستوى القضية الفلسطينية–الإسرائيلية فحسب. في حين أنّ أعقد وأولى القضايا التي تعاني منها المجتمعات العربية، تنبع قبل كلّ شيءٍ من تقسيم العرب إلى اثنتين وعشرين دويلة قومية. فهذه الدول الاثنتان والعشرون لا تستطيع الذهاب في دورها أبعد من كونها تنظيماً عميلاً جماعياً لنظام الهيمنة العالمي. ووجودها بحدّ ذاته يعدّ الإشكالية الرئيسية على الإطلاق بالنسبة للشعوب العربية. بالتالي، فالقضية العربية مرتبطة ببناء وتأسيس الحداثة الرأسمالية في المنطقة كنظام للهيمنة. ولا إشكالية جدية إلا في هذا الإطار، أي ارتباطاً بإسرائيل بوصفها قوةً مهيمنةً في المنطقة ارتباطاً بالحداثة الرأسمالية.
و علينا ألا نتغاضى عن أنّ القوى التي شادت إسرائيل هي نفسها التي شادت الدول القومية العربية الاثنتين والعشرين. بالتالي، فتجاذباتها وتنافراتها وصراعاتها مع إسرائيل تتسم بماهية التمويه. ونظراً لتشاطرها النظام المهيمن عينه من حيث المضمون، فإنّ تناقضاتها معها لن تكون ذات معنى، مهما كانت جدية، إلا إذا تجرأت على الخروج من إطارنظام الهيمنة العالمي. وإلا، فكيف لك أن تنضوي تحت كنف هيمنة النظام عينها، دون أن تعترف بإسرائيل، إنّ الدبلوماسية المقنّعة والزائفة تنبع بالتحديد من إنكار هذه الحقيقة.
إن جميع المقاربات والسلوكيات الإسلامية القوموية، التي يراد إحلالها محلّ حداثة النظام العالمي الرأسمالية، هي محض رياء؛ سواء الإسلام الراديكاليّ منها أم الإسلام المعتدل أم إسلام الشيعة. فهذه النزعة الإسلامية أداة أيديولوجية خاصة بالرأسمالية، إذ تسلّطها على البلدان الإسلامية في الشرق الأوسط، ولا علاقة لها بالحضارة الإسلامية. بل هي نسخة مشتقة من القوموية المتصاعدة في كنف هيمنة الحداثة الرأسمالية
اعتباراً من مطلع القرن التاسع عشر. والنزعات الإسلامية السياسية البارزة في القرنين الأخيرين، كتيارات الأخوان والقاعدة وداعش و الشيعية القوموية وغيرهم، لا تتعدى كونها عميلةً مقنّعةً للهيمنة الرأسمالية؛ لأنها صمّمت لهذا الغرض، ودفعت للحراك ارتباطاً بالحداثة الرأسمالية. وبالأساس، فعجزها عن أداء دورٍ يتخطى تجذير القضايا الوطنية والاجتماعية داخل منطقة الشرق الأوسط خلال القرنين الأخيرين، إنما يؤيّد هذه الحقيقة في تركيا وإيران و بعض الدول العربية.
وعليه، فهي تشكّل العوائق الأيديولوجية والسياسية الأساسية أمام التشاركية والوطنية الديمقراطية والمجتمعية الأخلاقية. أما الإسلام الثقافيّ، فهو موضوع مختلف. وتبنّي هذا الإسلام والدفاع عنه ارتباطاً بالثقافة والتقاليد له جوانبه الثمينة والإيجابية.
لن يتخلص الصراع العربي أو الفلسطينيّ–الإسرائيليّ من التشبّه بصراع الفأر والقط والمكرر، إذا لم يتخطّ تبعيته للنظام العالمي عينه الحداثة الرأسمالية،و النتيجة هو هدر طاقة الحياة لدى الشعوب العربية قاطبةً في معمعان هذه الاشتباكات الواضحة النتيجة سلفاً، والتي تدور رحاها قرابة قرنٍ بأكمله. ولو لم تفتعل هذه الاشتباكات والصراعات، لكان هناك وطن عربيّ نظير لعشرة أمثال اليابان من حيث وارداته النفطية فقط.
أنّ منهجية الدولة القومية ذات القومية الواحدة السائدة في الشرق الأوسط ليست منبع حلٍّ للقضايا الوطنية والاجتماعية الأساسية حسبما يزعم. بل إنها منبع تصعيد وتجذير وتفاقم وعقم هذه القضايا. ذلك أنّ الدولة القومية لا تحلّ القضايا، بل تنتجها. بل وأبعد من ذلك، فالنظام نفسه لا يقتصر على تأليب دول الشرق الأوسط على بعضها بعضاً. بل إنه وسيلة لتأجيج النزاعات بين مجتمعاتها أيضاً إلى أن تخور قواها. وحقيقة المنطقة و دولها من العراق إلى سوريا واليمن والصومال ولبنان وليبيا و تركيا وإيران وغيرها تؤكد ذلك.
لكننا لا نستطيع إلقاء الحمل كلياً هنا على عاتق نظام الهيمنة العالمي. ذلك أنّ الأيديولوجيات الإسلاموية و بعض اليسارية والتنظيمات السياسية البارزة بصفتها تحرريةً ومناسبةً لحل القضية، مسؤولة هي أيضاً عن ذلك، بقدر العناصر الحاملة لنظام الهيمنة وحداثتها على الأقلّ (الجون تورك، الجون كورد، الجون عرب، والجون فرس). فكيفما أنّ أيّ أسلوبٍ أو منهاجٍ اقترحته على شعوبها منذ حوالي قرنٍ من الزمان لم يسجل أيّ نجاحٍ يذكر، فإنها لم تتمكن من لعب دورٍ يتعدى خدمة بناء الحداثة الرأسمالية إقليمياً، وتوظيف نفسها لهذا الغرض. ولا يمكننا إنكار دور هذه الحقائق، تأسيساً على أيديولوجيات الدولتية القومية العربية والتنظيمات السياسية أيضاً.
القضايا العربية أيضاً كباقي قضايا المنطقة، ليست عصيةً على الحل، و يمكننا ملاحظة هناك محورين رئيسيّين:
1_يعتمد المحور الأول على مضاعفة الحصة من أجهزة الدولة والمجتمع تحت كنف النظام القائم، وعلي افتعال النزاعات اللازمة بغية حصد النتيجة المرجوة. هذه هي النتيجة التي تطلعت الدول القومية العربية –بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية– للوصول إليها عبر الاشتباكات التي جرّبتها طيلة العقود الخمسة الأخيرة. وسيعمل على إتمام هذا المحور عاجلاً أم آجلاً، عن طريق معاهدةٍ شبيهةٍ بمعاهدات بين الدول العربية وإسرائيل. لكنّ هذا الطريق لا يعني أكثر من زيادة وطأة القضايا الاجتماعية العربية، وحملها بالتالي على اتّباع الحلول الراديكالية. قد يحظى هذا الطريق برضى الدول القومية العربية الأوليغارشية، التي تسند ظهرها إلى البترول. ولكنه لن يستطيع البتة تلبية مطالب شعوبها الاقتصادية والديمقراطية الأكثر عمقاً. فالشعوب العربية تعاني من قضايا اقتصاديةٍ وديمقراطيةٍ متراكمةٍ كالجبال الشاهقة على مرّ التاريخ. دعك جانباً من أن تقوم الدول القومية العربية، التي غدت قمراً يدور في فلك الحداثة الرأسمالية، بحلّ تلك القضايا؛ بل إنها لا تودّ التلفظّ حتى باسم الحلّ. وقد ضاعفت من حدّتها باستمرار، وعملت على التواري خلف الصراعات الدينية والمذهبية الزائفة والمصطنعة على الدوام. بحيث انتقلت بالقضايا العالقة إلى طورٍ بات لا مفرّ فيه من الانحلال والتبعثر والتوجه صوب الاشتباك حتى الرمق الأخير مثلما يشاهد في مثال العراق، وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والصومال وغيرها أو المطالبة دون بدٍّ بالحلول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والوطنية الديمقراطية الجذرية.
2_لا يمكن الحديث عن المحور الرئيسيّ الثاني في حلّ القضايا العربية، إلا على خلفية تجاوز نظام الهيمنة العالمي. إننا نتحدث عن الانقطاع عن النظام القائم. إذ يتحتم المعرفة يقيناً أنه يصعب على الراديكالية الإسلامية أو الإسلام السياسيّ أن يشكّلا حداثةً بديلة. حيث ليس باستطاعة الإسلام أن يلعب دوره كثقافة، إلا في ظلّ حياةٍ تسودها عصرانية بديلة للحداثة الرأسمالية. وأقوى وأصحّ خيارٍ للشعوب العربية، هو براديغما العصرانية الملائمة للحقائق والوقائع التاريخية والاجتماعية لشعوب الشرق الأوسط جمعاء. والعصرانية البديلة من أجل الشعوب، هي العصرانية الديمقراطية التي لطالما كافحت ضد الحداثة الرأسمالية، والتي تتألف من الأمة الديمقراطية ومن مجموع الحركات المجتمعية والديمقراطية و الاشتراكية والأيكولوجية والفامينية والثقافية والإسلامية الديمقراطية.
تتعلق حزمة القضايا، التي تحتلّ المرتبة الثانية ارتباطاً بالقضايا العربية، بوجود إسرائيل. فنظرة النزعات القوموية والإسلاموية والدولتية القومية العربية حيال إسرائيل، قد أطلقت بتوجيهٍ من هيمنة الأيديولوجيا اليهودية–الإسرائيلية بالتحديد، بحيث تدور ضمن الحدود المرسومة من قبل هذه الأيديولوجيا ودولتها. ولدى البقاء في كنف نفس الحداثة، فلن تتعدّ كونها ألعوبةً بيد الهيمنة الإسرائيلية ذات التعداد السكانيّ القليل. كما لن تتخلص إسرائيل بذات نفسها من التحول إلى أسيرٍ للحداثة الرأسمالية التي ابتكرتها بذات يديها. ولن تتقاعس إسرائيل قطعياً عن حماية نفسها ارتكازاً إلى تفوّقها في حقل السلاح التقنيّ، بما في ذلك الذّرّة؛ في حال شعرت بوجود القوى المتأهبة حولها لخنقها في كلّ لحظةٍ وإغراقها في عرض البحر العربيّ الواسع.
بناءً عليه، لدى إسرائيل طريقين:
1_ أن تخلق التوازن مع دولٍ قوميةٍ شرق أوسطيةٍ متسالمةٍ معها في ظلّ هيمنتها هي، وقد تبدّى للملأ مدي صعوبة ذلك. و حتى لو تحقق ذلك لن يكون حل صحيح، جذري وكامل كما نشاهد بعد حصول العديد من الإتفاقيات ومازالت القضية مستمرة.
2_ أن تضع إسرائيل تجاوز الحداثة الرأسمالية نصب عينيها، إن كانت تودّ الخلاص من حالة الأسر للنظام الذي أوجدته.
وتعتبر العصرانية الديمقراطية خياراً يشكّل طريق الحلّ المستدام والوطيد ضمن معمعة الشرق الأوسط. ليس لأجل القضية اليهودية فحسب، بل ولأجل قضية دولة إسرائيل المحاطة بالوحوش والقوموية والدينية المتشددة، التي خلقتها هي بكلتا يديها و بإيجادها لفكرها القوموي الذي تشربه وأخذه كل تيارات المنطقة من دون وعي أو معرفة عبرالفكر والنهج الاستشراقي و نتيجة ضعف وعي الحقيقة في المنطقة
وهنا نصل للنتيجة والإقتراح الذي يمكن به أن نقدمه كإقتراح لحل قضايا المنطقة ومنها القضية العربية بدولها ال 22 عشرون والصراع العربي أو الفلسطيني_الإسرائيلي والقضية اليهودية وتداعياتها وكذلك القضية الكردية وتفرعاتها في الدول الأربعة وهو العصرانية الديمقراطية كبديل للحداثة الراسمالية وهيمنته على المنطقة المكون من الاقتصاد الديمقراطي التشاركي و الصناعة الأيكولوجية التقنية و الأمة الديمقراطية المتجاوزة للأعراق والأثنيات والأديان والمذاهب والمستندة لثقافة وتقاليد المنطقة وللمجتمعية الديمقراطية الأخلاقية والمحققة للعيش المشترك وأخوة الشعوب. وأحد نماذجها هي الإدارة الذاتية الديمقراطية التي كانت الرائدة وبالنيابة عن العالم ودولها وشعوبها في محاربة داعش وإرهابها، وتقديم نموذجي ديمقراطي بريادة المرأة الحرة، لكن هناك من يريد إحياء داعش والإنتقام لها كما تفعل تركيا بسلطتها العثمانية الجديدة بلبوسها القوموي والإسلاموي بتنفيذ هجمات الإبادة بحق الشعب الكردي كما في جنوب وشمال وغرب كردستان. وبمحاولته إخفاء إسهامه مع إسرائيل في محاربة الشعب الفلسطيني صاحب القضية المحقة والعادلة كما الشعب الكردي رغم الأدوات الساعية للفتن بين الشعوب وبأمر من سلطان النفاق والإخوان الإرهابيين كالأخوان الأرهابيين والقومويين المنافقين. وستبقى الشعوب في تعاضد ومساندة لبعضها مهما حاول السلطويون غير ذلك.