الحدث – القاهرة
بكل تأكيد أن الانسان لا يصرخ إلا إذا عانى كثيراً من أوجاع لا يمكن تحملها وآلام تكون فاقت مقدرته على التعايش معها، حينها لا يجد هذا الانسان لا بدّ أن يصرخ بأعلى صوته علّ هذا الصراخ وصوته يصل للذيم حوله. وأن هذا الصراخ بكل تأكيد وسيلة تواصل ما بين الانسان مع بعضهم البعض منذ آلاف السنين قبل اكتشاف الكتابة والحروف. بل كان الأصوات التي يصدرها الانسان هي الوسيلة الوحيدة للتواصل فيما بينهم، خاصة إن كان ثمة خطراً داهماً سيحيق بالقبيلة.
الآن وبعد آلاف السنين من اكتشاف الكتابة والحروف باتت عملية التواصل ما بين البشر أكثر سهولة ويمكن لأي انسان التواصل فيما بينهم ومعرفة ما يعيشونه بكل تفاصيله، خاصة أننا ندّعي أنه نعيش في قرية صغيرة نتيجة التطورات الحاصلة في عالم المعلوماتية والتكنولوجية. لكن من الجهة الأخرى نرى أنَّ كثيرة هي الأحداث التي تمت أو تتم في أيامنا هذه تبقى في مكانها وحتى إن خرجت تبقى من دون ردّ فعل من قبل الذين يتابعونها وأنه أمر عادي أو حدث عرضي لا داع للاهتمام به.
شنكال/سنجار، تلك المدينة التي عاشت أكبر مجزرة وحشية في القرن الحادي والعشرون وأمام أنظار العالم أجمع وبكل تفاصيلها القميئة التي تندى لها جبين الإنسانية، إلا أن تقرب العالم لم يكن كما هو المأمول ممن عاشوا المجزرة بكل تفاصيلها. لذا/ ترى أن أهالي شنكال/سنجار لا زالوا يصرخون بأعلى صوتهم يأن الخطر ما زال قائماً رغم القضاء على داعش التي عاثت بهم وحشية واغتصاباً وقتلاً وذبحاً وبيعهم في أسواق النخاسة السياسية لمصالح بعض الدول التي يروق لها مشاهدة هذه الأسواق لإشباع غرائزها الوحشية ليس أكثر.
سبعة سنوات على وحشية داعش وما ارتكبته في شنكال/سنجار من تدمير وإحراق القرى والبلدات بالإضافة إلى سبي النساء وبيعهم وقتلهم وذبحهم وبشكل موثق عبر مقاطع الفيديو التي كانوا ينشرونها ليراها ويتابعها من يريد الدخول في دينهم الذي كانوا يدعونه دين الرحمة والمغفرة بعد ترديد أسماء الله بصوت عالٍ.
شنكال/سنجار التي ما زالت تصرخ في عالم أصمَّته وكأن آذانهم قد أصمتها طين المصالح المادية وجعلتهم لا يسمعون إلا أنفسهم ومن على شاكلتهم فقط. وكأن كل الذي عاشه أبناء شنكال/سنجار لا يكفيهم راحت بعض الأطراف (بغداد-أربيل-الأمم المتحدة)، تتفق فيما بينهم على القضاء على ما تبق في شنكال بعضاً من الكرامة والشهامة والنخوة. عالم وأطراف ودول بعضها لا تبحث إلا عن الخنوع والذل والاستسلام ومستعدة لبيع كل شيء من أجل حفنة من النقود والنفوذ والسلطة وليذهب ما تبقى إلى الجحيم. أطراف نرى المجتمع ما هو إلا عبارة عن قطيع تُسيّره كما تشاء ووقتما تشاء متخذة من مقولة “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”. فحينما يقبل الحاكم بأن يتحول ويكون راعٍ، بكل تأكيد فأنه سينظر إلى الشعب على أنه ليس سوى قطيع يسير به إلى أي مرعى يريد للإشباعه فقط، وهنا يتحول الوطن إلى مسلخ وحديقة خلفية للمستبدين والشوفينيين الذين لا همَّ لهم سوى أنفسهم وبينما المجتمع ليحترق بمن فيه كرمىً لعيون الحكام وزعماء القبائل الذين يتعاونون مع المحتلين ويسجدون لهم ولا يرونهم أعداء، بل أنهم ينظرون للمحتل بأنه لولاه لا يستطيعون تأمين لقمة عيشهم والمال الأخضر الذي أعمى بصيرتهم قبل بصرهم.
بكل تأكيد أن صرخات أبناء شنكال/سنجار لن تبقى من دون صدىً وكأن شيئاً لم يحدث. وأن هذا العالم الصامت واللاهث وراء مصالحه المادية سيقع يوماً ما ضحية لتلك المصالح الآنية. وأن سياسة توازنات المصالح ليست استراتيجية وأبدية بقدر ما هي آنية تنتهي حال انتهاء المصلحة عند الطرف الأقوى.
أردوغان الأب الشرعي لداعش وأخواتها ليس كما قبل. وكلنا يعلم أنه ليس إلا أحد أدوات قوى الهيمنة الرأسمالية في المنطقة حتى تنتهي وظيفته/ حينها سوف تسحي تلك القوى يدها منه وسيبقى عارياً أمام مجتمعه وأمام صرخات أبناء شنكال/سنجار وباقي المدن التي احتلها وارتكب فيها مع أدواته من زبانية جيشه الانكشاري الفظائع. حينها ماذا ستقول هذه الأطراف أو الجهات التي كانت طرشاء أصمتها طين المصالح المادية في آذانها، وماذا ستقول تلك الأدوات التي كانت ترى أردوغانهم على أنه خليفته الذي سيحرر وطنهم وقدسهم، وهو ليس إلا أداة لترويضهم لزجهم في حروب عبثية في جغرافيا شتى من عفرين إلى ليبيا وأرمينيا والأن إلى أفغانستان وربما تكون لبنان والعراق في أجنداته أيضاً.
كيف للآخر بمقدوره أن يقنع أحد أبناء شنكال بأنه في تاريخ هذا الدين كان ثمة صرخة ونداء (واه معتصماه)، وأنها قصة حقيقية وواقعية كانت في بلاد الاناضول. كيف سيقنع الفتاة الايزيدية بهذه القصة وهي التي تم اغتصابها عشرات المرات وأمام مرأى العالم كله وهي تصرخ (وااااه)، من غير معتصماه طبعاً، لأنه كان يشارك البغاة بيع النساء في أسواق النخاسة ويضحك للمال الذي يجنيه من ذلك.