شهران بقيا على نهاية ولاية دونالد ترامب في سدة البيت الأبيض، فترة ليست بقصيرة، يخشى العالم خلالها أن يقوم ترامب بحرب أو شن عمليات عسكرية هنا أو هناك، أو اتخاذ قرارات أو عقد صفقات، من شأنها التأثير على أمن مناطق متوترة في العالم وخلق حالة من الفوضى الكبرى.
وعليه، فإن السؤال الذي يطرحه الجميع في هذا المقام، هو، ماذا سيفعل ترامب قبل رحيله؟ حتى الآن، أرسل ترامب العديد من الإشارات التي توحي بأنه لن يترك البيت الأبيض بسهولة دون القيام بشيء ما، ولعل من أهم هذه الإشارات، إقالة وزير دفاعه مارك إسبر وتعيين كريستوفر ميلر بدلاً منه، ومن ثم إرسال مبعوثه الخاص للملف الإيراني إليوت أابرامز في جولة إلى عدد من دول المنطقة، قبيل الجولة التي يقوم بها وزير خارجيته مارك بومبيو، وسط أنباء عن إرساله طائرات هجومية متطورة ومعدات عسكرية إلى عدد من القواعد الأميركية في المنطقة، وعن اتصالات مع جهات عسكرية في عدد من دول المنطقة للتأهب من أجل الاستعداد لعمل عسكري ما، وفي كل هذا، تتجه الأنظار إلى إيران بوصفها الدولة المستهدفة من العمل العسكري الذي ينشده ترامب.
لكن السؤال هنا، لماذا سيقوم ترامب بمثل هذه الحرب في نهاية ولايته؟ وهل ما يقوم به هو تحضير للحرب فعلاً أم مناورة للالتفاف على نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يصر ترامب على رفض الاعتراف بهزيمته أمام خصمة الديمقراطي جو بايدن؟ ثمة قناعة عامة تستبعد شن ترامب الحرب ضد إيران، نظراً لتداعياتها الكارثية وغير المعروفة النتائج، خاصة أن لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الحرب إن بدأت، لكن أصحاب هذه القناعة، لا يستبعدون شن عمليات عسكرية ضد مواقع نووية إيرانية أو تلك الخاصة بصناعة الصواريخ البالستية، وهولاء يرون أن لترامب جملة أهداف من وراء ذلك، لعل أهمها:
1- إن ترامب يريد توريث الرئيس المنتخب جو بايدن مشكلة كبيرة بخصوص الملف النووي الإيراني، كي لا يستطيع تحقيق أي إنجاز فيه، بل ومنعه من العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران الذي ألغاه ترامب.
2- إن ترامب يريد من العملية العسكرية تعويم نفسه زعيماً للجمهوريين، تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024 ، في وقت تقول التقارير إن قسماً كبيراً من الزعماء الجمهوريين يؤيدون خطوة ترامب القيام بعملية عسكرية ضد إيران.
3- إن فرضية قيام ترامب بعملية عسكرية ضد إيران، تنطلق من أنه لم يعد يملك ما يخسره بعد خسارته الانتخابات الرئاسية، وأنه يجد مصلحة مشتركة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقيام بمثل هذه العملية، وهو ما يقوي موقفه في الداخل الأميركي.
في الواقع، رغم هذه المعطيات التي ترجح شن ترامب عملية عسكرية ضد إيران إلا أن ثمة من يجزم بأنه لن يُقدمَ على ذلك لأسباب كثيرة، في مقدمتها أن مثل هذا القرار بحاجة إلى موافقة الكونغرس الأميركي أولاً وهو غير ممكن في ظل الظروف الحالية الانتقالية التي تمر بها الولايات المتحدة.
وثانياً لأن المؤسسات الأميركية العميقة لن تسمح له بذلك في نهاية ولايته، وثمة من يسأل لو كان ترامب جاداً فعلاً في شن الحرب ضد إيران، فلماذا لم يقم بها خلال المراحل السابقة من ولايته.
وعليه، يرجح هؤلاء أن يذهب ترامب إلى أقصى مدى في فرض عقوبات قاسية على إيران وليس شن الحرب ضدها، وأن رسائله التصعيدية موجه للداخل الأميركي أكثر من أي شيء أخر.
في انتظار اتضاح ما يخطط له ترامب، ونتائج الجولة التي يقوم به وزير خارجيته للمنطقة، كي يتضح فعلاً إذا ما كان ينوي ترامب شن عملية عسكرية ضد إيران أم لا، فإن ثمة قضية أخرى تثير المخاوف والهواجس في المنطقة، وهي قضية سحب ترامب للقوات الأميركية من المنطقة وتحديداً من أفغانستان والعراق، وسط غموض في موقفه بشأن قواته في شرقي الفرات بسوريا، حيث أعلنت إدارة ترامب عن تخفيف أعداد قواتها في كل من العراق وأفغانستان، ولعل المخاوف هنا، تتجاوز قضية سحب واشنطن لأعداد من قواتها إلى الأجندة الإقليمية لعدد من دول المنطقة، وتحديداً تركيا وإيران، إذ لا تتوقف تركيا عن التهديد بشن عمليات عسكرية عدوانية جديدة في مناطق شمال سوريا وشرقها ولاسيما تلك الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وسط استمرار الاعتداءات التركية المتقطعة على شرقي سوريا، وبشكل خاص منطقة عين عيسى التي تشكل قيمة رمزية لتجربة الإدارة الذاتية في شرقي الفرات، وكذلك للتحالف الدولي.
ولعل ما قد يشجع أردوغان على ذلك، هو قناعته بأن المدة المتبقية لولاية ترامب قد تكون الفرصة الأخيرة المتبقية له للقيام بمثل هذا العدوان، نظراً لأن كل المؤشرات توحي بأن إدارة بايدن لن تسمح له بالاستمرار في سياسته السابقة في ضرب حلفاء التحالف الدولي أي (قسد)، بعد أن تهاون ترامب في ذلك كثيراً.
في الواقع، بغض النظر إن كانت التوقعات السابقة صحيحة أم لا، فإن الفترة المتبقية من ولاية ترامب، تحمل الكثير من الخشية والمخاوف والهواجس في معظم مناطق العالم، فالرجل لا يتسم بالإتزان والثبات في مواقفه وسياساته، وكثير من قراراته هي رغبوية ومزاجية، تخضع للمصالح والحسابات الخاصة أكثر من الثوابت المعروفة للسياسة الأميركية.
وعليه، ربما يتمنى الجميع أن يحل موعد الحادي والعشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل، أي موعد تسليم ترامب السلطة للرئيس المنتخب جو بايدن، دون أن يكون ترامب قد ورّط العالم في حروب أو مجابهات جديدة، من شأنها خلط الأوراق ودفع الأمور نحو المجهول، وإلى أن يرحل ترامب فإن هذه الهواجس والمخاوف ستبقى قائمة حتى الأيام الأخيرة من ولايته.