الحدث – القاهرة
إن اتفاقية سايكس-بيكو تعني ترسيم الحدود بين الدول في الشرق الأوسط وإقامة هياكل دولة-قومية مركزية، أحادية، استبدادية، قوموية، لا تشمل الشعوب وتستبعدها، ونتيجة لهذا الاتفاق نشأت دول-قومية مركزية وأحادية وقمعية واستبدادية، وخاصة على جغرافية الشرق الأوسط وسوريا، وارتكزت على إقامة اتحاد قسري من خلال فرض عقلية أحادية ومركزية وفصل وتقسيم بين العرب والكرد والشعوب الأخرى وجعلهم أعداءً لبعضهم البعض، وبالتالي قد عملت هذه الاتفاقية على رسم حدود الشرق الأوسط بشكل مصطنع بين الشعب الكردي والعربي والشعوب الأخرى، من خلال فرض المركزية والأحادية والقومية والتعصب.
إن سياسات القوى الاستعمارية والمهيمنة، الرامية إلى تقسيم الشعوب وتفكيكها والتحكم بها عن طريق تحريضها ضد بعضها البعض، تعود إلى الأزمنة القديمة، لكن هذه السياسات التقليدية للسلطات تحولت مع مرحلة سايكس-بيكو إلى خط واضح، حتى أصبحت تقريباً جزءاً من الحياة اليومية، وجعلت الشعوب لا تعرف بعضها البعض. إن مرحلة اتفاقية سايكس-بيكو لم ترسم حدود الدول بمسطرة فحسب، بل كان الهدف الرئيسي هنا بناء حدود مصطنعة وجدران عريضة بين الشعوب والهويات والمعتقدات، ولا ينبغي لنا أن ننسى أن الجدران العريضة التي بنيت بين الشعوب لم تخلق حدوداً مادية فحسب، بل خلقت حدوداً ذهنية وروحية، حيث تحولت الحياة إلى جحيم في الشرق الأوسط منذ قرون بسبب هذه الصراعات والعداءات الطائفية، والعداءات والصراعات الأثنية، وممارسات الإبادة الثقافية، فعندما ننظر إلى أشكال الحروب الموجودة في الشرق الأوسط، يمكن رؤية مدى خطورة الوضع.
انهيار اتفاقية سايكس-بيكو
نتيجةً للنضال الذي دام 13 عاماً، ففي 8 ديسمبر/كانون الأول انهار نظام الدولة المركزية والأحادية والاستبدادية والقمعية الذي نظمته سايكس-بيكو في سوريا، حيث أن الجدران المصطنعة التي بنتها سايكس-بيكو بين جميع الشعوب، وخاصة بين الكرد والعرب، والتي ترى بعضها البعض كأعداء، هي في طور الاضمحلال. إذا تم تقييم هذه العملية بشكل جيد، وتم إزالة الظلم الممارس على الشعوب، فإنها ستكون بمثابة عيد لشعوب سوريا، ولذلك لا بد من تعريف وفهم حقيقة نظام البعث بشكل جيد، فإذا لم يتم فهم هذه العقلية فهماً عميقاً ستتطور عملية إحيائه ونهوضه من جديد، حيث أن سبب انهيار نظام البعث يعود في المقام الأول إلى مشاكل بنيوية داخلية، في حين أن الأسباب الخارجية تشكل سبباً ثانوياً، فقيام نظام البعث بفرض هوية أحادية ومركزية وقومية هو السبب الأهم في التفكك الداخلي للنظام.
قد تؤدي التدخلات الخارجية إلى تسريع انهيار النظام الضعيف، ولكن السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار كان التفكك الداخلي، وقد شكلت هذه النظرة تعريفاً مهماً لربط الأزمة في سوريا بالتقاربات الأحادية والمركزية والقومية التي فشلت في تقديم حلول للمشاكل الداخلية، وليس ربطها بمصالح الصراعات الخارجية، ولذلك فإن أسباب المشكلة السورية مرتبطة بالمشاكل الداخلية، وهذا يدل على أن الحدود المصطنعة بين الشعوب التي فرضها نظام البعث الأحادي والمركزي والقومي لم تعد صالحة، وأن الشعوب بدأت تتحد حول هوية مشتركة تكون الديمقراطية في مقدمتها، متجاوزة الانقسامات التي خلقتها اتفاقية سايكس-بيكو.
وهذا يقدم فرصة تاريخية لاتحاد سوريا الديمقراطية على أساس الهوية السورية للكرد والعرب والدروز والعلويين والأرمن والآشور-السريان والتركمان والشركس. فمن خلال بناء هوية سورية مشتركة يتم القضاء على الانقسامات المصطنعة والعداءات التي نشأت في الماضي. ومع انهيار اتفاقية سايكس-بيكو، فإن المفهوم الجديد للوحدة والتضامن في سوريا يجب أن يشترط قبول التنوع والاختلاف، وبالتالي، بينما يقوم المفهوم الجديد للوحدة في سوريا على قبول الاختلاف على أساس الديمقراطية من قبل جميع الشعوب، وخاصة الشعب العربي والكردي، وفي حين أن عقلية مفهوم الدولة-القومية المركزية التي خلقتها سايكس-بيكو ترى اتحاد سوريا وتضامنها في الأحادية والمركزية، فمن الضروري رؤية وفهم هذا التمييز وهذا التغيير بوضوح، إذ أن الخطورة والكارثة الحقيقيتان تكمنان في عدم رؤية هذا التمييز وعدم الاقتراب وفقاً لذلك.
فهذه هي حقيقة الدولة السورية ونظام البعث الذي تأسس بموجب اتفاقية سايكس-بيكو، ويجب أن تكون هناك يقظة تامة لفهم هذه الحقيقة ومنع إحيائها من جديد. ففي هذا الوضع الجديد حيث تم التغلب على حقيقة نظام البعث ويُنظر إلى هذا الوضع على أنه عيد، نواجه مشكلة سيطرة أقلية جهادية قامت بتصميم سوريا مثل ولاية عثمانية بعقلية أحادية طائفية مركزية متحيزة جنسياً، وترى الاتحاد في الأحادية والمركزية من خلال فرض كبير، وهذا الفرض هو سرقة الثورة السورية من الشعب واحتكارها، كما تقوم بقايا نظام البعث بفرض كابوس جديد على الشعب بمستوى أكثر تخلفاً. يجب رؤية هذه الحقيقة، ولأجل تحرير الثورة من أيدي هذه الأقلية الجهادية يجب أن يتم الاتحاد، فهذه هي الحقيقة التي يجب على العرب وغيرهم من الشعوب أن يفهموها، ويجب أن نلاحظ أن العقلية التي ترى الاتحاد في الأحادية والمركزية سوف تحول سوريا إلى خمسين غزة.
المجتمع السوري، مجتمع متعدد الثقافات والمعتقدات، ويجب أن يكون معلوماً أن فرض الدولة-القومية الأحادية والمركزية سيحول سوريا إلى جحيم، وعلاوة على ذلك، ثارت شعوب سوريا على المفهوم الأحادي والمركزي والسلطوي للعقلية البعثية، فهي لم تقدم كل هذه التضحيات لإقامة إدارة أحادية ومركزية وسلطوية وطائفية ومتحيزة جنسياً لسيطرة أقلية جهادية تستبعد الشعوب. وفقاً لهذه الحقيقة، يتوجب على كافة البنى، وخاصة هيئة تحرير الشام، أن يتم تغيرها على أساس خط التنوير الديمقراطي وأن تقوم باحتضان الشعوب من خلال رؤية هذا الثراء والتنوع السوري، وإلا فمن المعلوم أن نهايتها ستكون كارثية.
خلال مرحلة الثورة السورية، وبما يتماشى مع روح الثورة، في إطار عقد اجتماعي جديد يرتكز على المساواة والحرية والعدالة، قام العرب والكرد والأرمن والمسيحيون والتركمان والآشور والسريان والشركس والنساء في جغرافية شرق سوريا بتطوير نموذج جديد لأجل وحدة سوريا ديمقراطية، ومن الضروري تحويل هذا النموذج الذي تعبر فيه النساء والمعتقدات والثقافات والأثنيات عن أنفسهم بحرية، إلى نظام سوريا عام، فالمقصود بهذا النموذج هو حالة إدارة البنية التعددية في سوريا بعقلية ديمقراطية يشارك فيها كل شعوبها، إذ أن وحدة سوريا مرتبطة بتطوير هذا المفهوم الديمقراطي، وأي قوة تطالب بإدارة سوريا يجب أن تعتمد على الشعوب وعلى بنية سوريا التعددية، حيث أن الطريق إلى سوريا التعددية يمر من خلال الاتحاد الديمقراطي، فالحل الوحيد لأجل الحفاظ على ثراء سوريا التعددية والعيش على أساس الحرية والمساواة هو الديمقراطية. ومن الواضح أن نهج الإدارة الأحادي والمركزي والاستبدادي والطائفي والجنسي، تحت سيطرة الأقلية، لا ترى هذا الثراء والتنوع، ولها طموحات دكتاتورية أكثر تخلفاً من عقلية البعث القديمة، وهذا سيؤدي إلى تقسيم البلاد وتحويلها إلى جحيم.
الوعي الوطني الذي تطور مع تحالف العرب والكرد والشعوب الأخرى عبر التاريخ وإلى يومنا هذا
كان للكرد والعرب والشعوب الأخرى تأثير قوي على بعضهم البعض وساندوا بعضهم البعض، وشاركوا وساهموا في العديد من الحضارات التي نشأت عبر التاريخ، حيث كان للعرب والكرد وغيرهم من الشعوب علاقات مع امبراطوريات مختلفة عبر التاريخ، كما تولوا أيضاً أدواراً قيادية سياسياً وثقافياً في فترات معينة، كما ولدت العديد من الحضارات نتيجة المشاركة المشتركة لجميع الشعوب في نشأتها، والفترة الأكثر وضوحاً هي فترة التطور التاريخي مع مسيرة التحالفات القوية بقيادة صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين، وناضلوا جنباً إلى جنب من أجل استقلال سوريا ضد الانتداب الفرنسي، وكان لهم إسهامات على المستويات السياسية والثقافية والعلمية والفنية، ولكن عقلية الدولة-القومية والمركزية والأحادية التي نشأت مع اتفاقية سايكس-بيكو أدت إلى ابتعاد العرب والكرد والشعوب الأخرى عن بعضهم البعض، وجعلتهم أعداء، وتجاهلت حقوقهم النابعة من التاريخ ودفعتهم خارج النظام حيث تم إنكار وجودهم. لقد تحول العرب والكرد وغيرهم من شعوب سوريا الذين ناضلوا منذ البداية جنباً إلى جنب ضد الانتداب الفرنسي، إلى أعداء، وتم نهب كافة حقوقهم واستبعادهم من قبل النظام السوري وتم تجاهلهم من خلال النهج الأحادي والقومي الذي نشأ في الخارج بعقلية سايكس-بيكو وتم فرضه على المجتمعات.
مثلما حدث في التاريخ، فإن تحالف العرب والكرد وشعوب سوريا الأخرى خلق الفرصة لريادة ولادة سوريا التعددية والديمقراطية من خلال المشاركة الجماعية على نحو أكثر شمولاً، إذ أننا جميعاً في مرحلة كفاح وخاصة العرب والكرد وجميع المكونات الأثنية والعقائدية والثقافية الأخرى، للدفاع عن الوحدة الديمقراطية لسوريا والنضال من أجل الحرية والمساواة والحياة العادلة ضد سياسات تقسيم سوريا والهيمنة عليها في إطار المشروع العثماني الذي تفرضه تركيا التي لها أطماع في الأراضي السورية، وفي هذا السياق، فإن قيام العرب والكرد بالعمل معاً له إمكانية خلق تضامن أقوى من حيث الظروف التاريخية والراهنة.
في مسار الأمة السورية الديمقراطية، من أجل الحرية والمساواة والحياة العادلة تم خوض نضال متواصل منذ 13 عاماً ضد النظام الأحادي والمركزي والاستبدادي، ونتيجةً لهذا النضال تم تأسيس هيكلية الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا بإرادة الكرد والعرب والهويات والمعتقدات الأخرى، وهذا التحالف الذي يرتكز على وحدة سوريا ديمقراطية، يستند على عقد اجتماعي مبني على المساواة والحرية والعدالة. لقد قدمت ومازالت تقدم آلاف الشهداء، من أجل الحماية والدفاع عن تاريخها وثقافتها وأرضها وجغرافيتها وشرفها وحياتها وممتلكاتها وأمنها ضد القوى والميليشيات المرتزقة وفي مقدمتهم عصابات داعش والقاعدة والبعث، المهووسون بالأحلام العثمانية.
ورغم أن هذا النضال كان فيه الكثير من أوجه القصور والأخطاء، إلا أنه خلق قيماً مشتركة وروحاً وطنية وهويةً سوريةً ديمقراطيةً، وهذا ما لا يمكن إنكاره، وتم الدفاع عن القيم المشتركة من جغرافية وتاريخ وأرض وبنية مجتمعية متعددة، التي طورتها الشعوب في شرق سوريا وحمايتها من خلال القيم الديمقراطية، حيث أن رفع مستوى الوعي حول العيش معاً بين الهويات والمعتقدات المتنوعة والمختلفة في سوريا يعتبر أعظم شعور بالوطنية، على سبيل المثال؛ بكاء وحزن كوباني على عائلة تعرضت لحادث سير في دير الزور، وبكاء وتضامن الرقة مع عائلة احترق منزلها في ديريك، وكذلك قيام كافة العرب والشعوب الأخرى بحشد إمكانياتهم وفتح بيوتهم لمهجري عفرين.
أظهرت كافة شعوب شرق سوريا تضامنها وفتحت بيوتها وقلوبها للمجموعات المهجرة من محافظات مثل حمص وإدلب ودير الزور وغيرها. وعاشوا المراسيم معاً، وتقاسموا مجالات الحياة المشتركة، والمشاعر في الأفراح والأتراح. ولذلك، ففي كل مرحلة من مراحل النضال، نشأت روح التضامن القوية حتى في الحياة اليومية العادية، فخلقت قيمة حياتية مشتركة، وأصبحت هذه الروح ملاذاً لوحدة الهوية السورية. لقد خلق مفهوم العيش المشترك والنضال المشترك قيماً مشتركة عظيمة وخدم تطوير الهوية الوطنية السورية.
ولهذا السبب، طورت مسيرة الثورة السورية تعريفاً جديداً للوطنية، يتجاوز دفاع الشعوب عن أراضيها وثقافاتها وتاريخها، إلى مستوى إقامة الحياة الحرة والدفاع عن هذه الحرية من خلال الحفاظ على وحدة الشعوب والمعتقدات المتعددة، وبالتالي، أليست الوطنية، روح الشعوب التي لا تدافع عن هوياتها الخاصة فحسب، بل تنظر أيضاً إلى الشعوب الأخرى كثروة وتؤسس لحياة حرة ومتساوية وعادلة من خلال النضال من أجل الهويات والمعتقدات الأخرى، هي أعظم وطنية؟ حتى لو لم يتم فعل أي شيء، فإن هذا التطور بحد ذاته يعتبر أكبر ثورة.
لأنه إذا كانت سوريا الجديدة تدخل الآن في مسيرة عيش متساوٍ وحُر بروح الوحدة في التنوع بين الشعوب من عرب وكرد وغيرهم، فإن المنطقة الأكثر استعداداً لذلك هي شعوب شمال وشرق سوريا، إذ أن الهوية السورية ستكون نتاجاً لهذه الهوية المشتركة المتشكلة بين الشعوب، وهذا تطور مهم، وخاصة في مكان مثل الشرق الأوسط، فإن تقديم التضحيات والاستشهادات وحشد كل الإمكانيات في خدمة حياة قائمة على الحرية والمساواة والعدالة لمجتمع ذو هويات ومعتقدات وثقافات متعددة، يشكل مساهمة جديدة وتعريفاً جديداً للوطنية، فبالنسبة للبنية المتنوعة لمجتمع سوريا، أصبح الدفاع عن العيش المشترك مع إدراك حقوق بعضهم البعض، أعظم قيمة وطنية.
الوطنية هي الدفاع عن الحرية والحياة الجماعية للشعوب من عرب وكرد وغيرها، وهذا هو الوعي الوطني الديمقراطي الذي هو اسم التقاء الأمم والمعتقدات والثقافات المتعددة التي تعيش في سورية ضمن حياة مشتركة، والمقاومة ضد ما يسمى البعث أو داعش أو عصابات عثمانية أو أنظمة أحادية ومركزية واستبدادية، والنضال من أجل هوية سوريا ديمقراطية بروح الوحدة في التنوع، ولا يمكن لسوريا المدنية والديمقراطية أن تتطور إلا إذا تحققت الوحدة من خلال هذا التكامل المجتمعي، وهذا يشكل الأساس لهوية سوريا المشتركة ونمط الحياة الذي ستؤسسه الشعوب في سوريا الجديدة، إذ لا يمكن أن تقام سوريا ديمقراطية جديدة إلا بهذه الهوية الوطنية.
ويجب أن يكون شعارنا الأساسي هو حياة حرة ومتساوية ضمن إطار تكامل هوية سوريا ديمقراطية مع الديمقراطية المحلية، وقد أدى مفهوم النضال معاً على مدى 13 عاماً إلى خلق هذه القيم المشتركة. إن الدعاية التي تقوم بها الدول والعصابات والمجموعات المختلفة، وخاصة الطبقة الحاكمة التركية بأن المناطق التي تدار بالديمقراطية المحلية تسبب تقسيم سوريا، هي تشويه خطير وخطاب حرب خاصة، فمن الواضح أن المنطقة التي قدمت 20 ألف شهيد و50 ألف جريح من أجل الوحدة الديمقراطية في سوريا قد دفعت ثمناً باهظاً من أجل مستقبل ديمقراطي لسوريا، ويجب أن يُعرَف بأنه من الآن فصاعداً سيتم خوض كفاح لتوسيع النضال الديمقراطي من أجل هوية سوريا ديمقراطية ووحدتها، وإن تحقيق الوحدة في منطقة تضم شعوباً متنوعة هو أعظم مصدر للوحدة، ولهذا فإن إمكانية بناء سوريا ديمقراطية جديدة معاً وتحريرها لا تتحقق إلا بهذا الشعور الوطني.
إن الموجة الثورية في سوريا توفر فرصة للعرب والكرد والشعوب الأخرى في شمال وشرق سوريا، حيث يمكن للمجموعات المهمشة والتي تم إنكارها تاريخياً العيش معاً وإقامة مجتمع قائم على الحرية والمساواة. إن خليط الاتحاد في سوريا وغراؤه يعتمدان على تعميم روح الوحدة في التنوع الذي خلقه مفهوم الديمقراطية المحلية الذي تطور في شرق سوريا، ويتطلب هذا التحالف والاتحاد تضامناً اجتماعياً وحيوياً وثقافياً دائماً بين الشعوب، وألا ينحصران في التعاون العسكري والسياسي. لقد اجتمع العرب والكرد في الثورة السورية لبناء شكل أكثر عدالة للإدارة وحياة مشتركة مبنية على المساواة الاجتماعية، ولكن لكي تستمر هذه المسيرة بشكل دائم وسليم، يجب التغلب على الحدود المصطنعة بين الشعوب، ويجب أن تكون القيم العالمية مثل الحرية والمساواة والعدالة مطبقة على جميع الشعوب.
لأن الأزمة والتمرد في سوريا ليسا مجرد مسألة تغيير الحكم، ولا ينبغي أن تقتصر على ذلك، فأهم مشكلة وأزمة في سوريا هي إرادة العيش معاً من عرب وكرد وعلويين ودروز وآشور-سريان ومسيحيين وأرمن وشركس وتركمان وتلبية مطالبهم في الحرية والمساواة، إذ أن السؤال الأساسي وأهم إجابة عليه هو كيف يمكن لهذا المجتمع السوري المتعدد الهويات والمعتقدات والقوميات أن يحافظ على وحدة سوريا ديمقراطية من خلال وعي الديمقراطية المحلية والعيش بحرية ومساواة، فمن يحقق ذلك يعتبر وطنياً حقيقياً، ويجب التذكير بهذه الحقيقة دائماً، وبالتالي فإن أعظم وطنية وأعظم مسؤولية وأعظم قيادة هي القدرة والإرادة على إبقاء الشعوب المتعددة الهويات في سوريا معاً في الديمقراطية المحلية ووحدة سوريا ديمقراطية، ومن الواضح أن الطريق لإقامة هذه الوحدة وتطويرها لن يكون بالإجبار والقمع ولا باستبداد أحادي ومركزي وسلطوي.
لا تزال سوريا تعيش حالة من الفوضى الجادة ومن غير المعروف إلى أين ستتجه هذه المرحلة، لأن صورة ولوحة سوريا لا تزالان غير واضحتان، فعدم وضوح صورة سوريا بشكل تام ينبع من عدم معرفة شعوب سوريا مطلبها من فوضى الديناميكيات الداخلية في سوريا. على وجه الخصوص، إن إصرار تركيا على إدارة سوريا كمقاطعة عثمانية -وإذا فشلت في ذلك، فإن مشروعها البديل هي تقسيم سوريا- إلى جانب فرض أقلية أحادية ومركزية وطائفية واستبدادية ومتحيزة جنسياً، تعرّض وحدة الديمقراطية في سوريا للخطر.
هنا تكمن المشكلة الأساسية، وتُعتَبر أساس كل المشاكل. علاوة على ذلك، فان الجزء الغربي من سوريا يعيش حالة من الفوضى والاضطرابات بشكل كامل، ويواجه العلويون خطر المذابح، وناهيك عن أن الآشوري-السريان والمسيحيون والدروز والعرب والمسلمون الديمقراطيون والأطباء والمهندسون والنساء ورجال الأعمال والمثقفون والأكاديميون، لا يملكون الحق في العيش على أساس المساواة والحرية بمعتقداتهم وهوياتهم التي هي حقهم التاريخي، فإن ممتلكاتهم وحياتهم وشرفهم أيضاً بلا أمان ومعرضة للتهديد، فلا يوجد أمان أو ضمان لأي شيء، حيث تشهد البلاد مرحلة من خطر الفوضى والنهب والتعدي وارتكاب مجازر بشرية بشكل سري، خاصة دمشق ومدن الساحل وحلب وغيرها من المدن، فهي مليئة بمراكز الاستخبارات التركية.
هناك المئات من الأئمة والطرائق الدينية والمرابين والمافيا والأفراد والمجموعات المشبوهة من تركيا، ولا أحد يعترف أن سوريا يحكمها مُستعمِر؛ تركيا هي المستعمر وتسيطر على كل العناصر المحيطة بها، فتركيا تريد أن تحكم سوريا كولاية تابعة لها، ولذلك فإن لوحة سوريا لم تتضح بعد، وليس من الواضح إلى أين ستتجه سوريا إذا لم تبادر الشعوب في إقامة وحدة ديمقراطية مشتركة بشكل عاجل، ولهذا السبب أصبحت مناطق شمال وشرق سوريا هي المناطق الأكثر حرية وديمقراطية، فالديمقراطية هي التي خلقت شعوراً بالعيش المشترك في منطقة تضم العديد من الأمم والمعتقدات والثقافات، ولذلك يرى الجميع أن المناطق الأكثر استقراراً وأماناً هي مناطق شمال وشرق سوريا.
أكبر عقبة أمام تحقيق الهدف المنشود المتمثل في الديمقراطية المحلية وسوريا الديمقراطية هي هيئة تحرير الشام والميليشيات العسكرية المدعومتان من تركيا، فعلى الرغم من أن الشعب السوري كان يعرف ماضي هيئة تحرير الشام، إلا أنه أتاح لها الفرصة للتخطي من خلال الممارسة العملية، لكن كما يُرى، فقد انخرطت في عملية إحياء عقلية البعث القديمة من خلال إقصاء الشعوب، إذ تظهر الممارسات الملموسة أن الرغبة في خلق نظام أحادي، مركزي، طائفي، قومي، استبدادي، متسلط، سوف يؤدي مرة أخرى إلى نهج حكم أكثر تخلفاً من عقلية البعث.
في حين يستمر نضال الشعوب من أجل الحرية والديمقراطية في سوريا، يظل النهج الحالي لهيئة تحرير الشام أحد أكبر العقبات أمام تحقيق هذه الأهداف، وهناك مؤشرات قوية على أن هيئة تحرير الشام لم تنفصل عن المنطق الجهادي ومرجعيات هذه العقلية، ولم تظهر حتى الآن أي إشارة إلى أن هيئة تحرير الشام اتخذت أي خطوات ملموسة نحو التخلص من هويتها الميليشياوية والتحول إلى فاعل ديمقراطي ومدني، إذ أظهرت الممارسات التي نفذتها بشكل واضح أن هيئة تحرير الشام لا تهدف إلى إقامة سوريا ديمقراطية وتعددية وقانونية.
إن ماضي هيئة تحرير الشام معروف من قبل الشعوب، وقد أتيحت لهذا التنظيم فرصة التغيير خلال فترة معينة من المتابعة، لكن خلال هذه الفترة، رفضت هيئة تحرير الشام المبادرة إلى إحداث تغيير جذري في داخلها، وبدلاً من إعادة بناء نفسها بعقلية ديمقراطية، أظهرت مجدداً نهجها الجهادي والطائفي والأحادي والقمعي والاستبدادي بممارساتها الأخيرة، ويظهر هذا الوضع أن هيئة تحرير الشام لا تزال تتحرك بمنطق تنظيم ميليشياتي عسكري.
تكشف فترة انتخاب أحمد الشرع لرئاسة الجمهورية هذه الحقيقة بوضوح، إذ لم يتم هذا الانتخاب بإرادة شعوب سوريا، بل من خلال توافق القوى الميليشياوية فيما بينها، كما يكشف هذا الوضع أن هيئة تحرير الشام لا تتخذ إرادة الشعب كأساس لها، بل إنها تواصل اتباع نهج حكم يرتكز على الميليشيات.
واليوم تحاول هيئة تحرير الشام وحكومة دمشق، إدارة سوريا عبر تحالفات متشكلة من الميليشيات، وهذا التصرف يضمن استمرار نظام يقصي الشعب، كما يحافظ هذا الشكل من الحكم على عقلية طائفية واستبدادية ومتحيزة جنسياً وتستبعد التنوع في المجتمع وترفض الإرادة الديمقراطية.
إن محاربة هذه العقلية التي لا تستطيع الاستجابة لمطالب شعوب سوريا في الحرية والمساواة والعدالة وتتجاهل إرادة الشعب؛ إقامة نظام سوريا تعددية وديمقراطية وتشاركية يعتبر أمراً ضرورياً.
الحل في سوريا؛ الديمقراطية المحلية وسوريا الديمقراطية
مع انهيار نظام البعث في سوريا نشأت بيئة من النضال المشترك من أجل أن تتعارف الشعوب على بعضها البعض وضمان حقوقهم الأساسية، فمن المعروف أن الخيار والتطلع المشترك لنضال الشعوب منذ 13 عاماً هو هوية سوريا ديمقراطية جامعة، ففي هذه المرحلة، هل سيقوم العرب والشعوب الأخرى باختيار الديمقراطية المحلية ووحدة سوريا ديمقراطية، أم سيختارون حكومة تحت سيطرة أقلية أحادية مركزية سلطوية طائفية وجنسية وقومية وقمعية، وتأسيسها من قبل تركيا؟
لقد انتهت فترة سايكس-بيكو التي كانت تعتمد على نظام البعث القائم على منهج الدولة-القومية المركزية الأحادية، وبدأت فترة ربيع الشعوب، فإن الفترة الحالية هي فترة إزالة الجدران بين الشعوب والتي تشكلت بضغط أحادي، حيث تستطيع الشعوب أن تتعرف وتفهم وتعيش مع بعضها البعض من خلال رابطة المحبة، إنها فترة لن تكن فيها تعدد الأمم والمعتقدات والثقافات في سوريا سبباً للانقسام، بل مصدراً للثراء والوحدة، فأمام هذا الوضع، أين تكمن المصالح المشتركة للشعب العربي والشعوب الأخرى والعشائر والأكاديميين والنساء والمثقفين والعائلات وكل الناس؟ فعلى الرغم من عدم وضوحها بالخطوط العريضة، إلا أنه من الواضح أننا الآن في مفترق طرق.
لا يجوز لنا أن نسمح بسلب التوق إلى ديمقراطية محلية ومجتمع ديمقراطي، والتي هي قيم مشتركة تعكس تطلعات المجتمعات التي ثارت منذ زمن طويل من أجل حياة قائمة على المساواة والحرية والعدالة، وبالتالي علينا أن نجعل كافة المناطق الديمقراطية المحلية بمثابة معاقل للديمقراطية ومدناً مشتركة للحياة الحرة، واعتبار هذه المناطق الضمان لخلق سوريا ديمقراطية والمشاركة في عملية بنائها من خلال المفاوضات المتساوية، وبنفس الوقت اعتبارها خطوط حمراء بالنسبة للشعوب. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على جميع الشعوب، وخاصة الشعب العربي، أن تتحد وتتضامن من أجل المشاركة المتساوية في اتحاد سوريا، وأن يتم دعم هذا الموقف وأن تتم المشاركة في العملية من خلال فريق التفاوض المشترك، إذن الحل هو التوق إلى ديمقراطية محلية وسوريا ديمقراطية.
وبالتالي فإن طريقة الانضمام إلى سوريا ديمقراطية جديدة بعد انهيار نظام البعث تظل واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل والتفاوض اليوم. نحن نعيش في فترة من الفوضى والنهب والاغتصاب والقتل وانعدام أمن وأمان الحياة والممتلكات والثروات بسبب انعدام التنظيم وتشتت المجتمعات التي تعيش في مناطق مختلفة من سوريا، كما تجري حالياً عملية تفاوض مكثفة للغاية من أجل المشاركة المتساوية لمناطق الديمقراطية المحلية في الاتحاد الديمقراطي لسوريا، فمن المعروف أن العمل جار على تشكيل فريق تفاوضي شامل يمثل إرادة الديمقراطية المحلية، ومن مصلحة جميع الشعوب أن يتم إشراكها في عملية التفاوض من خلال المشاركة في نظام شرق سوريا، إذ أن المشاركة في نظام سوريا ديمقراطية بالقوة المنظمة وبإرادة الشعب العربي وغيره من الشعوب المقيمة في المنطقة الديمقراطية المحلية، سوف تؤدي إلى تحول سوريا إلى دولة ديمقراطية، فلا يوجد أي ضمان من خلال المشاركة الفردية أو العائلية، حيث أن خيار المشاركة الفردية والعائلية في نظام دمشق سيواجه ضغوطات بنيوية مركزية وأحادية واستبدادية على المدى البعيد، وهو ما سيخلق مشكلة أمنية مع عدم وجود ضمانات للعيش والممتلكات والحياة، بدلاً من المساواة الاجتماعية والحرية، فمن الضروري أن نعرف أنه لا أمان على الأرواح والممتلكات وكرامة الإنسان في مدن الساحل السوري، ودمشق وحمص ودرعا وغيرها من المدن، ولن يكون هناك أمان على الإطلاق من الآن فصاعداً. إن القيادة لإنشاء سوريا ديمقراطية تعتمد على تحالف الكرد والعرب من خلال إيصال مفهوم الديمقراطية المحلية إلى كل مناطق سوريا، فإذا حدث هذا، ستكون هناك فرصة لإدارة سوريا معاً على أساس ديمقراطي، إذ أن قيادة المجتمع السوري وضمان تطوير سوريا من خلال ضمان جميع حقوق الشعوب في ظل دستور ديمقراطي يصب في مصلحة الجميع ، لذلك لا بد من تعظيم الهدف من خلال المطالبة بإدارة سوريا معاً على أسس ديمقراطية، والسبيل إلى ذلك هو إقامة تحالف بين الشعوب على أساس الديمقراطية المحلية، والتطلع إلى الإدارة من خلال الانفتاح على المجتمع السوري، وبالتالي فإن من منفعة ومصلحة الجميع أن يتم الذهاب إلى دمشق بالقوة المنظمة والحازمة التي خلقتها الديمقراطية المحلية، وأن يتم المشاركة في سوريا ديمقراطية من خلال المفاوضات. إن كافة الشعوب، وخاصة الشعب العربي، الذي يشارك في نموذج الديمقراطية المحلية الذي ازدهر في شمال وشرق سوريا، سيكون لهم رأي في مستقبل سوريا بأكملها وليس في مستقبل منطقة واحدة فقط. إن القدرة على قيادة الشعب السوري مرتبطة بالخبرة والمعرفة والإلمام بمفهوم الديمقراطية المحلية، فمن الضروري إظهار قوة الفكر والإصرار على إدارة سوريا الديمقراطية. إن مفهوم الديمقراطية المحلية الذي تطور في شمال وشرق سوريا خلق تجربة وتراكم سياسي واقتصادي وثقافي وعسكري ودبلوماسي ومؤسسي على مدى 13 عاماً، إذ لا بدّ من تحرير سوريا بالكامل وتوحيدها تحت سقف سوريا الديمقراطية، ولا يمكن جمع الشعب السوري من دون هذا الخيار الديمقراطي، إذ تعتبر سوريا خُلاصة الشرق الأوسط وفسيفساء الشعوب. إن بنية الدولة-القومية المركزية الأحادية، التي تم تنظيمها بعقلية سايكس-بيكو، أدت إلى صراعات ومذابح بين إسرائيل-فلسطين والسنة-الشيعة والعرب-الكرد والترك-الكرد والفرس-الكرد والترك-العرب والعلويين-السنة والمسلمين-المسيحيين في الشرق الأوسط، حيث شهد الشرق الأوسط قرناً من هذه الأفعال العدائية، ولا يمكن أن تتحمل مثل هذه الأفعال مرة أخرى، فالطريقة الوحيدة لتجنب هذا الوضع هي اتباع مسار الديمقراطية المحلية ووحدة سوريا ديمقراطية بدلاً من عقلية الدولة-القومية المركزية الأحادية.
وبالتالي هل سيختار الناس والمجموعات الموجودة في مناطق شمال وشرق سوريا التي هي مناطق الديمقراطية المحلية، مفهوم الدولة-القومية المركزية الأحادية الذي عاشته مناطق أخرى، وتشارك فيه، كما يختاره أشخاص وعائلات في طرطوس واللاذقية ودرعا وحمص ودمشق، أم سيكونون مع البنية الديمقراطية المحلية التي تطورت في شمال وشرق سوريا، وسيفضلون التفاوض التشاركي على مستوى متساوٍ وحر وذو إرادة مع نظام دمشق بكل ما أوتوا من قوة ضمن لجنة التفاوض التي ستتشكل بإرادتهم وقوتهم المنظمة؟ إن إدارة سوريا معاً على أساس ديمقراطي مرتبطة بالإجابات الصحيحة على هذه الأسئلة والشكل الصحيح والفعال للمشاركة، ولهذا السبب، من الضروري مناقشة هذه المرحلة معاً وبشكل صريح.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه حدثت العديد من الأخطاء وأوجه القصور في مرحلة الإدارة الذاتية الديمقراطية التي هي مستمرة منذ عشر سنوات، فكان على المدن أن تدير نفسها بنفسها في أمورٍ مثل الاقتصاد والصحة والتعليم والأمن والدفاع وما إلى ذلك، إذ أن مفهوم “فليديرني الآخرون” هو نداء من المدينة أو الشعب الذي وصل إلى مستوى أن يدير نفسه بنفسه. لا شك أنه لا بدّ من استخلاص الدروس من هذا الأمر وأن يتم النقد الذاتي الجدي، وأن يتم العمل على إزالة الأخطاء والأعذار بشكل عاجل كي لا يحدث شيء من هذا القبيل، وأن يتم إجراء إصلاحات جدية على المستوى الإداري، سواء على مستوى كل مدينة أو على المستوى الإدارة أو في الجيش، وينبغي لكل ثقافة ومعتقد وأثنية أن تدير نفسها ضمن وحدة ديمقراطية، دون أي إقصاءات أو استثناءات، في كل منطقة، وخاصة في المدن، ومن الضروري تهيئة البيئة لذلك واتخاذ الترتيبات العاجلة من خلال مناقشة القضايا بشفافية وبشكل شامل على أسس صحيحة، وبعد هذه المرحلة، تعتبر المناقشة والمشاركة الصحيحتان ضرورتان لا بدّ منهما.
من الضروري الاعتراف بهذه الحقيقة: إن تحالف شعوب شمال وشرق سوريا لم يتطور فقط ضد داعش وعصابات تركيا ونظام البعث، مع الأخذ بعين الاعتبار بنية سوريا تعددية ومتنوع الهويات، بل يقوم أيضاً على تحالف استراتيجي يرتكز على عقد اجتماعي مبني على المساواة والحرية والعدالة. قد تكون هناك نواقص وأخطاء، وربما لم يصل مفهوم التحالف الاستراتيجي هذا إلى مرحلة ثقافية أو اجتماعية أو حياتية، أو كانت هناك نواقص في جعلها تطبق في الحياة، لكن انطلاقاً من هذه النواقص، وعدم رؤية البنية المتعددة لمجتمع سوريا، وعدم الإيمان بالخلاص من خلال نهج سوريا ديمقراطية موحدة تتمتع بالحياة القائمة على المساواة والحرية والعدالة، فإن الوقوع في فخ ومخلب جماعات المصالح المتخفية تحت قناع وستار القوم والدين والقومية، هو حقيقة ستقود سوريا إلى كارثة.
وبالتالي من الواضح أن مقارباتٍ مثل ” تم القضاء على البعث وداعش، ولن يعد هناك حاجة للتحالف”، والتي تتم ولو بنية حسنة وتستبعد الشعوب من خلال الإصغاء إلى المفهوم الأحادي والمركزي، سوف تؤدي مجدداً إلى تحريض الشعوب ضد بعضهم البعض وإعادة بناء جدران التحيز بين الشعوب، فلا بد من معرفة أن مثل هذه المقاربات من شأنها أن تشجع جهود إعادة التنظيم القائمة على سياساتٍ ترى التنوع كعداء وليس كثراء.
من المعلوم أن هناك توجهات تسعى إلى احتكار البلاد، ومن الواضح أن هذا المفهوم السياسي يهدف إلى خلق الفوضى من خلال جعل المجتمعات في حالة صراع ضد بعضها البعض تحت قناع القوم والأحادية والقومية، فمن دون الوقوع تحت تأثير هذا النوع من الحماسية والحرب الخاصة التي تحجب وتقمع مستقبل سوريا الديمقراطي وتجعل الشعوب تقاتل ضد بعضها البعض، يجب ترسيخ حقيقة كل إنسان وكل ثقافة ومعتقد وهوية وعشيرة وعائلة بشكل صحيح ومناقشتها معاً بطريقة شفافة وواضحة، وبالتالي فإن النهج الأصح هو التوصل إلى قرار لتطوير المناطق الديمقراطية المحلية وبناء سوريا الديمقراطية معاً وإداراتها من خلال حوار شفاف ومشترك من أجل ضمان مستقبل حر لسوريا وتأمين المعتقد والهوية والحقوق الثقافية وتأسيس أمن وأمان الممتلكات والروح والحياة والعمل.