في حياة سابقة
طارق هاشم
في حياة سابقة
كنت اعمل بائعا للكتب
كل صباح
تصافح يدي
يد ديستويفسكي
تعصرها
كما يعصر البحر
أرواح السفن
كنت احصي الكتب
كما يحصي الأطفال
الأيام السابقة على الأعياد
بقلق ظاهر
ذات صباح
لم اجد كتاب (فن الهوى) لأوفيد
كان مهووسا بإحدى الروايات
في المكتبة المقابلة
لم تكن المرة الأولى
التي وجدوه قابعا في حضنها
کهارب من معسكر للتعذيب
صاحب المكتبة
الذي اتهم (البير كامو)
بسرقة فن الهوى
اقسم أنه سيطردني
إذا ما رأني
اقرأ (فن الهوی)
في ترجمته الكاملة
قال أنه سيفسدني
وسيكون سببا مباشرا
في طردي من المكتبة
كنت ارص الكتب
كمصابيح غامضة
كانت الساعات تمر
كغريب
فقد جواز السفر
بينما
كان (كونفوشيوس)
يترك قهوته
لعابر آخر
كم مرة
سمحت لي الظروف
أن ابكي بين يدي (فرجينيا وولف)
كم كانت حادة المزاج
وهي تعد إفطارنا
في المرة الأخيرة
كانت
كقسم وقع من صاحبه
حين راهن على محبة خائفة
ساعتها أخبرتني
أنني كسول
وغبي
صارحتني هكذا دون مواربة
بأنني
لا اصلح لهذه المهنة أصلا
نهرتني بدعوى أنني اخدع الزبائن
اتهمتني بالتجسس على سيرتها
حين لمحت في يدي
كتاب (كوينتين بل)
إبن شقيقتها
(فرجينيا وولف) سيرة حياة
قالت أنني قتلت قطتها اللطيفة
صنعت كل ما كان من شأنه
أن يجعلها تلقي بنفسها في نهر (اوز)
لمجرد أنها شاهدتني
اعرض مذكراتها للبيع
بثمن
هي نفسها قالت
أنه ضعف ثمنها
آلاف المرات
کم صرخت في وجهي
أنت لص یا (طارق)
وتركتها دون أن أخبرها
أنني اصنع ذلك
حتى يمتنعوا
وتبقى روحها ترفرف
على الأرفف
كملاك صغير
حين وبختني
أمام أكثر من قارئ
احزنتني لأيام
إلا أنني ظللت صامتا
كي لا تفضحني
حروفي المتقطعة
كمدينة بلا أثر
كنت أخشى أن تكشف سري
أن تعرف أنني جئت إلى هنا
كخطأ قديم
كعار لا يزول
كطير
مارس كل الأشياء
سوى أن يطير
لم اشأ أن أخبرها
أنني رجل عادي
رجل
واحبها
احب صباحها
حين يعبر امام غرفتي
احب قهوتها
وهي تصافح القرفة
بطيبة استثنائية
احب حتى (صوفيا)
خادمتها الرؤوم
حتى شعرها الأعزل
احبه كثيرا
قطتها الرمادية
وهي تمشي خلفها
كجندي
تخلف عن حرب غير عادلة
كي يحرس جبهتها
احب كل اشياءها
إلا أنني لا احب ان ابيع الملائكة
نعم
الكتب كالملائكة تماما
حين يبكون
الكتب يمكنها أن تبكي
وتضحك
إلا أنها آثرت الصمت
حتى لا تفضح من كتبوها
لم تفش سر توترهم
وانكماشهم
من أجل جملة لا تأتي
هكذا اختارت
أن تموت بسرها
في ظل أرفف
لا تعرف حتى اسمائها
أنا فاشل
یا (فرجينيا) الحبيبة
فاشل
لأنني لا ابيع الكتب
ولا بد لي
أن اترك هذا المكان
المكان
الذي اودعوني فيه
حتى لا تكون جدتي
قد ماتت
دون أن تجد لي
عملا يأويني
هي افنت حياتها
من أجل ذلك
كانت لا تعرف
أنني أكره أن ابيع
بلزاك
وروسو
وطه حسين
وكافكا
هكذا ببساطة
حين مرضت أمي
بعت الأعمال الكاملة لديستويفسكي
کي اشتري لها تذكرة الطبيب
كل ما فعله ديستويفسكي طوال حياته
لم يضمن لأمي
أكثر من مقعد صغير
في عيادة بائسة
ونحن عائدین
اودعتها السرير
وعدت ابكي
كطفل اخفوا لعبته
أمام صاحب المكتبه
متوسلا إياه
أن يجعلني ابحث داخل (الأخوة كرامازوف)
عن إخوتي الذين فقدتهم
من ساعتين تقريبا
الذين سبقوني
إلى مدينة
ربما لم استطع اللحاق بها
ودون ان ادري
تذكرت (جروشكا)
فصرخت كالمجنون
كيف هانت عليك
كيف ساویت
بين حنانها العادل
وتذكرة الطبيب
الآن فقط
ادركت
لماذا تركتني دموعي
لتلحق بها
لتودعها
وداعها الأخير
الجميع خذلوني يا (فرجينيا)
ولم يعد لي سوى قلبك
الذي لم يرد بابه
في اي زمن كان